St-Takla.org  >   books  >   adel-zekri  >   basil-greek-literature
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب رسالة إلى الشباب عن كيفية الاستفادة من الأدب اليوناني، للقديس باسيليوس الكبير - ترجمة: د. عادل زكري

7- البحث عن الفضيلة في الأدب اليوناني

 

(5) ولأنه من خلال الفضيلة لا بُد أن نباشر الحياة التي لنا، ولأن الكثير نُطق في مديح الفضيلة بواسطة الشعراء، والكثير بواسطة المؤرخين، والكثير أيضًا بواسطة الفلاسفة، فيجدر بنا تحديدًا أن ننكب على هذا النوع من الأدب. لأنه ليست ميزة صغيرة أن حميمية معينة وألفة ما مع الفضيلة يجب أن تتولَّد في نفوس الشباب، بالنظر إلى أن الدروس التي تُعلَّم منها لا تُمحى على الأرجح إذ انطبعت بعمق فيهم بسبب نضارة نفوسهم. أم أي شيء آخر يمكن أن نفترض وجوده في ذهن هزيود عندما ألف هذه الأبيات التي على شفاه الجميع، لو لم يكن يحث الشباب على الفضيلة؟ - بأنه ”شاقة في البداية، وصعبة في السفر، ومليئة بالعرق والتعب، هي الطريق التي تؤدي إلى الفضيلة، وشديدة الانحدار أيضًا“.[12]

ولذلك لا يُعطى للجميع أن يتسلق هذا الطريق، المنحدر جدًا، ولا إذا جرَّب أن يتسلقه، من السهل أن يبلغ قمته. لكن بمجرد أن يصل المرء إلى القمة يكون قادرًا على رؤية مدى سلاسة وجمال، ومدى سهولة ومتعة السير فيه، وكم هو مرغوب أكثر من الطريق الأخرى الذي يؤدي إلى الرذيلة، والذي يسهل اتخاذه دُفعة واحدة وبشكل في متناول الجميع، كما قال هذا الشاعر ذاته.

St-Takla.org Image: Temperance, tempera on panel, from 1469 until 1472, by Piero del Pollaiolo (Piero Benci 1443–1496), 168 × 90.5 cm (66.1 × 35.6 in) - One of the paintings of the Seven Virtues - 2nd floor room 09 - Uffizi Gallery (Galleria degli Uffizi), Florence (Firenze), Italy. It was established in 1581. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 1, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: فضيلة الاعتدال (ضبط النفس)، زخرفة تمبرا على لوح، في الفترة ما بين 1469-1472 م.، رسم الفنان بيرو ديل بولايولو (بييرو بينتشي 1443-1496)، مقاس 168×90.5 سم. - إحدى صور الفضائل السبعة - صور متحف معرض أوفيتزي (متحف أوفيزي)، فلورنسا (فيرينزي)، إيطاليا. وقد أنشئ عام 1581 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 1 أكتوبر 2014 م.

St-Takla.org Image: Temperance, tempera on panel, from 1469 until 1472, by Piero del Pollaiolo (Piero Benci 1443–1496), 168 × 90.5 cm (66.1 × 35.6 in) - One of the paintings of the Seven Virtues - 2nd floor room 09 - Uffizi Gallery (Galleria degli Uffizi), Florence (Firenze), Italy. It was established in 1581. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 1, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: فضيلة الاعتدال (ضبط النفس)، زخرفة تمبرا على لوح، في الفترة ما بين 1469-1472 م.، رسم الفنان بيرو ديل بولايولو (بييرو بينتشي 1443-1496)، مقاس 168×90.5 سم. - إحدى صور الفضائل السبعة - صور متحف معرض أوفيتزي (متحف أوفيزي)، فلورنسا (فيرينزي)، إيطاليا. وقد أنشئ عام 1581 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 1 أكتوبر 2014 م.

لأنه بالنسبة لي يبدو أنه حكى هذه الأمور ليس لسبب آخر سوى أن يحضنا على الفضيلة، ويحث كل الناس نحو الصلاح، وأن يمنعنا من أن نصير ضعفاء وجبناء في مواجهة الأتعاب أو نحجم عنه قبل بلوغ الغاية. ومن المؤكد أنه إذا رنم أي أحد آخر مديح الفضيلة بمصطلحات مثل هزيود، فلنرحب بكلماته باعتبارها تؤدى إلى نفس الغاية التي لنا.

كذلك كما سمعت بنفسي رجلاً فطنًا في فهم عقلية الشعراء، يقول إن كل شعر هوميروس ما هو إلا إطراء للفضيلة، وكل ما كتبه، باستثناء ما هو زخارف، يهدف إلى هذه الغاية، وبالأحرى في هذه الأبيات التي صوَّر فيها قائد الكيفالونيين،[13] بعد أن نجا من تحطيم السفينة، عاريًا، والأميرة التي أظهرت له التوقير[14] بمجرد رؤيته (لأنه حاشا أن يرتكب عارًا بسبب ظهوره عاريًا، إذ أن الشاعر صوره مرتديًا الفضيلة بدلاً من الملابس)، وبالتالي أيضًا أوديسيوس إذ وجد مستحقًا لمثل هذا الإكرام الجزيل من بقية الفاياكيين[15] إذ ازدروا بالترف الذي كانوا فيه يعيشون، فقد أعجبوا وحسدوا البطل كلهم فردًا فردًا، ولم يرد أحد من الفاياكيين أي شيء سوى أن يصبح أوديسيوس، وأن ينجو من تحطيم السفينة أيضًا.

لأنه في هذه النصوص فالمفسر لذهن الشاعر كان معتادًا أن يعلن أن هوميروس يقول في صوت أقرب إلى الصياح: ”لا بُد أن تصغوا إلى الفضيلة أيها الناس، فهي تسبح حتى مع الإنسان الذي تحطمت سفينته، وعند إتيانه عاريًا إلى الشاطئ، تجعله مبجلاً أكثر من الفاياكيين السعداء“.[16] وهذا أمر حقيقي بالفعل.

في الواقع، المقتنيات الأخرى لا تخص بمالكيها أكثر من أي آتٍ مصادفة أيًا كان، إذ ينتقل سريعًا مرة هنا ومرة هناك كما في لعبة النرد. لكن الفضيلة وحدها من بين المقتنيات لا يمكن أن تُفقد أبدًا، إذ أنها تبقى مع الإنسان سواء كان حيًا أو ميتًا. ولهذا السبب كما يبدو لي قال صولون[17] هذا من جهة الأغنياء: ”لكننا لن نبدِّل معهم فضيلتنا بثروتهم، لأن الأولى تمكث دائمًا، بينما الثروات تبدل مُلاكها كل يوم“. ويشبه هذا كلمات ثيوجنيس[18] التي قال فيها إن الله، أيًا كان ما يعنيه بهذا المصطلح، يميل الميزان للناس في مرة في هذا الاتجاه، ومرة أخرى في اتجاه آخر، مرة ليكونوا أغنياء، ومرة بلا شيء.

كذلك السوفسطائي بروديكس[19] الذي من كيوس، في موضع ما من كتاباته نطق بتعليم مشابهة لتعاليم هؤلاء الآخرين من جهة الفضيلة والرذيلة. ولذلك لا بُد أن نرهف أذهاننا له أيضًا، لأنه ليس رجلاً يمكن رفضه. فكلامه يسير على هذا النحو تقريبًا، بقدر ما أتذكر فكر الرجل، لأني لا أعرف الكلمات بالضبط، بل فقط أنه تحدث في العموم فيما معناه الآتي، وليس باستخدام المسطرة. عندما كان هيركليس شابًا يافعًا، وكان تقريبًا في نفس عمركم الآن، بينما كان يتفكر أي الطريقين يسلك، الطريق التي تسير عبر الأتعاب وتصل إلى الفضيلة، أم الطريق الأسهل، اقتربت منه امرأتان، وكانتا هما الفضيلة والرذيلة.

ثم فجأة برغم أنهما كانتا صامتتين، إلا أن الفارق بينهما كان واضحًا من هيئتهما. لأن أحدهما كانت متزينة من أجل الجمال من خلال فنون أدوات الزينة، وكانت تشع بالشهوانية، وكانت تقود سربًا كاملاً من الملذات في إثرها. وإذ أظهرت كل هذه الأشياء، وكانت لا تزال تعد بأكثر، كانت تحاول أن تجتذب هيركليس إليها. لكن المرأة الأخرى كانت ذابلة وجديرة بالازدراء ولها نظرة جادة، وكانت تتحدث بشكل مختلف تمامًا. لأنها لم تكن تعد بشيء فاسق أو لذيذ، بل ما لا حصر له من الأتعاب والأشغال مع العرق والمخاطر عبر كل بر وبحر. لكن الجائزة التي تُربح من كل هذا هي أن تصبح إلهًا، كما عبرت عن ذلك حكاية بروديكس. وتبع ذلك أن هيركليس اختار المرأة الثانية في النهاية.[20]

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

(6) وتقريبًا كل الكُتّاب الذين يُشتهر عنهم الحكمة، بدرجة أكبر أو أقل، تحدَّثوا كل واحد بأقصى قدرته في مؤلفاته بمدحٍ في الفضيلة. إلى هؤلاء الناس لا بُد أن نصغي، ولا بُد أن نحاول أن نظهر كلامهم في حياتنا. لأن مَن يؤكد بالعمل إخلاصه للحكمة، التي تقتصر لدى آخرين في الكلام فقط، فهو ”له وحده الفهم، لكن الباقين يتطايرون كالظلال“.[21]

يبدو لي أن مثل هذا التناغم بين القول والحياة يشبه إلى حد بعيد كما لو صنع أحد الرسامين صورة إنسان فارع الجمال، وهذا الرجل لا بُد أن يكون هكذا في الواقع كما صوره الرسام على لوحاته. لأنه لكي تمتدح الفضيلة ببراعة في العلن، وتصيغ خطبًا مطولة عنها، لكن على انفراد تفضل اللذة على ضبط النفس، والمصلحة الشخصية على العدالة، فهذا يشبه كما اعتدت أن أؤكد جمهور المسارح الذين يعرضون مسرحيات وكثيرًا ما يظهرون كملوك وكحكام، برغم أنهم لا ملوك ولا حكام، وربما ليسوا من الأحرار على الإطلاق.

مرة أخرى الموسيقار لا يوافق عن طيب خاطر أن تشذ قيثارته عن اللحن، ولا يرضى قائد الخورس ألا يغني خورسه في أقصى درجة من التناغم.[22] لكن هل يكون كل فرد في تناقض مع ذاته، وهل سيُظهر حياة ليست متفقة على الإطلاق مع كلامه؟ لكن سيقول أحدهم مقتبسًا من يوربيديس: ”لم أقسم بقلبي، ولكني أقسمت بلساني“، ويكون مظهر الصلاح هدفًا له بدلاً من أن يكون صالحًا بالفعل. لكن أقصى حدود الظلم إذا أصغينا إلى كلام أفلاطون هو ”أن تظهر عادلاً دون أن تكون كذلك“.[23]

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[12]  قارن هزيود، الأعمال والأيام، 274.

[13] الكيفالونيون Cephalonians هم سكان واحدة من أكبر جزر اليونان.

[14] قارن هوميروس، الأوديسة 6: 135 إلخ. الإشارة هنا إلى أوديسيوس وناوسيكا ابنة ملك الجزيرة التي وقع عليها.

[15] الفاياكيون Phaeacians هم البحارة الذين ساعدوا أوديسيوس على الرجوع إلى وطنه.

[16] قارن هوميروس، الأوديسة 8: 248، 249.

[17] صولون Solon (640- 560 ق. م.) شاعر ومُشرع ورجل قانون أثيني، قام بسن مجموعة من القوانين الإصلاحية التي ساهمت فيما بعد في قيام النظام الديموقراطي الأثيني.

[18] ثيوجنيس الميجاري Theognis عاش حوالي 520 ق. م.، وهو من بلدة ميجارا أو ميغارا. وكان شاعرًا وله قصائد. وكان يعبر عن سخطه إزاء تحوّل مَن كانوا يرتدون خرقًا من جلد الماعز إلى عِلية القوم الجُدد، وكان منحازًا للطبقة الارستقراطية. (المترجم)

[19] بروديكس Prodicus السوفسطائي، وعاش بين (465- 395 ق. م.) وظهر في محاورات أفلاطون بشخصيته ومنهجه السوفسطائي. (المترجم)

[20] هذه القصة تُسمى اختيار هركليس Hercules choice، وظهرت في لوحات فنية ومقطوعات موسيقية وأفلام كثيرة. (المترجم)

[21] قارن هوميروس، الأوديسة، 10: 495.

[22] ربما توجد مقارنة هنا مع محاورة جورجياس لأفلاطون 482 ب.

[23] قارن محاورة الجمهورية لأفلاطون 2: 361 أ؛ ومحاورة جورجياس 527 ب.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/adel-zekri/basil-greek-literature/virtue.html

تقصير الرابط:
tak.la/qv65789