St-Takla.org  >   books  >   fr-pakhomius-marcos  >   god-peace-vs-calamity
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب إيمان الكنيسة حول آية: صانع السلام وخالق الشر - القس باخوميوس القمص مرقص جبرة

2- تمهيد وبحث: مختصر تاريخ فكر الإنسان حول علة وجود الشر

 

هل الله هو خالق الشر؟

انتشرت أفكار كثيرة بين البشر حول ماهية الخير والشر، وكيفية وجودهما معًا. وفي هذا التمهيد سأتناول ملخص لبعض الأفكار المنتشرة عن تعليل وجود الخير والشر معًا. بعد ذلك سأناقش نصوص الكتاب المقدس وما قاله آباء الكنيسة بخصوص ما ندعوه شرًا، مع شرحٍ لما تم تجميعه وترجمته من أقوال الآباء.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

St-Takla.org Image: “He who would love life and see good days, let him refrain his tongue from evil, and his lips from speaking deceit. Let him turn away from evil (Let him eschew evil) and do good; let him seek peace and pursue it" (1 Peter 3:10-11) - by A.P. صورة في موقع الأنبا تكلا: "من أراد أن يحب الحياة ويرى أياما صالحة، فليكفف لسانه عن الشر وشفتيه أن تتكلما بالمكر، ليعرض عن الشر ويصنع الخير، ليطلب السلام ويجد في أثره" (بطرس الأول 3: 10-11) - للفنان إيه بي.

St-Takla.org Image: “He who would love life and see good days, let him refrain his tongue from evil, and his lips from speaking deceit. Let him turn away from evil (Let him eschew evil) and do good; let him seek peace and pursue it" (1 Peter 3:10-11) - by A.P.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "من أراد أن يحب الحياة ويرى أياما صالحة، فليكفف لسانه عن الشر وشفتيه أن تتكلما بالمكر، ليعرض عن الشر ويصنع الخير، ليطلب السلام ويجد في أثره" (بطرس الأول 3: 10-11) - للفنان إيه بي.

مختصر تاريخ فكر الإنسان حول علة وجود الشر

بالرغم من أن الكتاب المقدس قَدَّم شرحًا، وخصوصًا في سفر التكوين، عن كيفية دخول الشر للعالم؛ إلا أن فكرة وجود الشر تطورت عبر الحضارات القديمة والتي مازال أثرها موجود حتى الآن في بعض فلسفات الشعوب المعاصرة. ففي جميع الحضارات غير المُوحِدة، أي التي تؤمن بتعدد الآلهة، كان هناك آلهة متخصصة للشر بأنواعه. فقد كانت علة وجود الشر في العالم هي وجود إله يحب هذا الشر ويسببه. وهذا الإله نجده عادة في صراع مع إله (أو آلهة) الخير، وحسب قوة أيًا من الطرفين تزداد قوة الخير أو الشر في العالم.

 فنجد مثلًا عند المصريين القدماء[1] الإله ست Seth وهو العدو الشهير والقاتل لأوزوريس. وست هذا هو إله التشويش وروح الفوضى وتجسيد العنف. وكذلك هناك الإله أبيب Apep وهو ثعبان كان يحارب آلهة الخير. أما سخمت Sekhmet، وبالرغم من إنها من نسل رع Ra إله الشمس، ولكنها كانت الإلهة المسئولة عن الحرب وهي لبؤة شرسة ويُقال إنها من أشرس آلهة المصريين. لم يكن اليونانيين[2] أقل حظًا من المصريين في هذه الدراما الإلهية بل يمكن أن يزيدوا عليهم. فقد كانت أخليس Achlys إلهة الحزن والبؤس وأحيانًا الموت. وكذلك أيضا إيريبوس Erebus إله الظلام والظلال وهو مولود الفوضى والخراب. أما ثاناتوس Thanatos، فكما يوحي اسمه[3] فهو الإله الذي يجسد الموت. ثم نجد هاديس Hades الذي يعد من أكبر الآلهة وهو المسئول عن كل الموتى وعن الجحيم، للدرجة أن كلمة Hades أصبحت تُستخدم في اللغة الإنجليزية للدلالة على الجحيم، وذلك حتى في ترجمات الكتاب المقدس للإنجليزية[4]. وهاتين الحضارتين هما الأكثر شهرة بين حضارات العالم القديم، ولكن نفس الفكرة نجدها في معظم الحضارات مثل الحضارة السلافونية وقبائل الأزتيك والمايا والهند والصين. هذا إذن هو فكر الحضارات القديمة، أن هناك آلهة متخصصة للشر ومسئولة عنه. وتتصارع هذه الآلهة مع آلهة الخير ليظهر هذا الصراع في حياة الإنسان الذي يحاول أن يرضي هذا الإله أحيانًا وذاك الإله أحيانًا آخرى.

ثم نجد فكرًا آخر بدأ يظهر في دول آسيا بشكل خاص يشير إلى وجود إلهين أو قوتين فقط؛ الخير والشر. فالبداية غالبًا كانت عن طريق زرادشت Zoroaster (قرن سادس قبل الميلاد غالبًا) في إيران والذي لخص حياة الإنسان في صراع بين الحق والكذب، الخير والشر. هناك حرية إرادة للإنسان أن يختار أن يسير في أي من الاتجاهين، وهذه المسيرة يجب أن تكون بالنفس والجسد معًا. لم يُصَرّح زرادشت -بحسب الموسوعة البريطانية Encyclopedia Britannica – أنه هناك إلهين فقط بل كان هناك حوالي 21 إله، إلا أنه لخص فكرة الوجود كلها في صراع بين الخير والشر. كان فكر زرادشت قوي التأثير جدًا في العالم المحيط، إلى أن أتي ماني Mani وهو مؤسس الديانة المانية Manichaean وأحد رموز الغنوصية في القرون الأولى للميلاد.

شَكَّلَ ماني (وآخرون مثله[5]) قضية مثيرة في تاريخ الكنيسة. فبالرغم من أن ماني كان يعتبر نفسه رسول ليسوع، إلا أنه اعتبر نفسه آخر الرسل على أساس أن الآلهة أرسلت آدم وبوذا وزرادشت ويسوع وختمت بماني. فكل هؤلاء أصحاب رسالة محلية أما ماني فهو صاحب الرسالة العالمية (الكونية). فكرته عن الآلهة لم تكن صريحة بقدر وصفه صراحةً أن إله العهد القديم هو إله الشر. أما عن كيفية خلاص الإنسان فهو بالمعرفة عن طريق سمو الروح ضد الجسد. فالروح سقطت قديما وبسبب سقوطها لبست جسدًا شريرًا، وإذا عاش الإنسان حياته بفكرٍ سامٍ وكَرَهَ جسده وأبغضه فستخلص روحه، أما إذا عاش في إمتاع جسده، فسيُلعن بأن تنزل روحه بعد موته لجسد آخر.

ومن أجل هذا الفكر، بدأ البحث الذي بين يديك بجدال وقع بين الأسقف أرخيلاوس وماني، يثبت فيه الأسقف أرخيلاوس أن إله العهد القديم يتكلم كما تكلم يسوع المسيح الكلمة. هذه البداية مهمة جدًا اليوم أكثر من ذي قبل، حيث تصعد أصوات في بعض الطوائف تنادي بمسح العهد القديم من الكتاب المقدس، كما حاول بعض مؤسسي حركة الإصلاح في القرن السادس عشر والسابع عشر في أوروبا، وهذا بسبب وجود بعض الآيات الصعبة والأحداث التي تتعب ذهن القارئ الحالي. من أجل ذلك نقرأ كيف تحرك الأسقف أرخيلاوس بحكمة بين آيات العهد القديم والعهد الجديد لكي يشرح من خلال أقوال المسيح أنه يتكلم بنفس لغة إله العهد القديم، حتى أنه يستخدم الآية موضع الدراسة ويربطها بحكمة بكلام المسيح حيث يقول:

 "إذا وجدته خاطئًا، هذا الذي يقول: {(أنا الله) صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ}، فأشرح لنا كيف يقول يسوع: {مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا}"

 بمعنى أنه إن كنت تلوم إله العهد القديم أنه قال عن نفسه أنه خالق الشر، فلماذا لا تلوم المسيح الذي يقول إنه جاء ليلقي سيف. فطريقة كلام يسوع وإله العهد القديم واحدة. كانت منهجية الأسقف أرخيلاوس في الجدال حكيمة جدًا، فهو لم يشرح له تفاسير الآيات بقدر ما بدأ من قناعات ماني الشخصية. فماني مقتنع أن يسوع هو رسول حقيقي وشخص حكيم، لذلك أخذ الأسقف أرخيلاوس من كلام يسوع -الذي يحبه ماني- وكلام إله العهد القديم -الذي يبغضه ماني- وأظهر أن الشخصين تكلما بنفس الأسلوب. بالطبع إيمان الأسقف الأرثوذكسي أن الآب والابن والروح القدس إله واحد، وليس هناك إله للعهد القديم وإله آخر للعهد الجديد، ولكنه أراد أن يقنعه ببطلان ادعاءه أن إله العهد القديم إله شرير.

 

ترجمة جدال الأسقف أرخيلاوس مع ماني

{يذكر المؤرخون أن هناك مناظرة علنية حدثت بين الأسقف أرخيلاوس والفيلسوف "ماني"[6]، ويذكر القديس كيرلس الأورشليمي المقدمة التالية مع جزء من المناظرة كما يلي:[7]

هرب ماني من السجن وأتى إلى منطقة ما بين النهرين، ولكنه قابل هناك تُرس الحق، الأسقف أرخيلاوس...ثم دار النقاش كما سنبين الآن:

- قال أرخيلاوس لماني: "أعطنا إقرارًا الآن عن العقائد التي تروج لها."

- وحينئذ في الحال بدأ الرجل، والذي فمه مثل القبر المفتوح، بكلمة تجديف ضد خالق كل الأشياء، قائلًا: "إله العهد القديم هو مخترع الشر، والذي تكلم كذلك عن نفسه: {أنا نار آكلة}[8]."

- ولكن الفَطِن أرخيلاوس أبطل تمامًا هذا التجديف، حيث قال: "إذا كان إله العهد القديم، على حسب زعمك، يدعو نفسه نارًا، فَإبنُ مَنّ[9] الذي يقول: {جِئْتُ لأُلْقِيَ نَارًا عَلَى الأَرْضِ}[10]؟ إذا كنت تجد عيبًا في ذاك الذي قال: {الرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي.}[11]، فلماذا إذًا تُكرم بطرس الذي أقام طابيثا للحياة، ولكنه أيضًا أمات سفيرة؟ وإذا وجدت الواحد مخطئًا لأنه أعدَّ نارًا[12]، لماذا لا تجد هذا الآخر مخطئًا، هذا الذي قال: {اذْهَبُوا عَنِّي (يَا مَلاَعِينُ) إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ؟}[13]. إذا وجدته خاطئًا، هذا الذي يقول: {(أنا الله) صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ}، فأشرح لنا كيف يقول يسوع: {مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا}[14]. وبما أن كلا الشخصين يتكلمان بنفس المصطلحات، فإن واحدًا أو آخر من الأمرين التاليين يجب أن يكون: إما أن الإثنين صالحان لأنهما يتكلمان نفس اللغة، وإما إنك تشرح لنا – إذا نجح المسيح (بالنسبة لك) بلا لوم – فلماذا تلوم هذا الذي يستخدم نفس أسلوب المخاطبة في العهد القديم."

- فرَدَ ماني عليه قائلًا:" وأي سلوك لهذا الإله الآن أن يصيب أحدهم بالعمى؟ لأن بولس هو الذي يستخدم هذه الكلمات: {إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ الإِنْجِيلِ}.[15]"

- ولكن قاطعه أرخيلاوس ودحض هذا (الزعم) جيدًا جدًا، قائلًا: "أقرأ كلمة أو إثنين مما يسبق هذه الآية: {وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ}[16]، فتَرَى أنه مكتوم في الهالكين. لأنه {لاَ تُعْطُوا الْقُدْسَ لِلْكِلاَب}[17]. وعلاوة على ذلك، هل فقط إله العهد القديم هو الذي أعمى أذهان غير المؤمنين؟ ألم يقل يسوع نفسه: " مِنْ أَجْلِ هذَا أُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَال، لأَنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ"[18]؟ أكان لأنه كرههم ولم يريدهم أن يروا؟ أولم يكن هذا بسبب عدم استحقاقهم، لأنهم هم الذين أغلقوا عيونهم؟ لأنه حيثما كان الضلال بسبب اختيار شخصي، هناك أيضًا يكون غياب المجد. "لأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى فَيَزْدَادُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ"[19].}

* وهكذا فكر الكثير من الشعوب عبر العصور أن للشر إله، أما آباء الكنيسة المُسوقين بالروح القدس فآمنوا أن الإله الوحيد لم يخلق الشر، وكمثالٍ نرى مقالًا كاملًا للقديس باسيليوس بعنوان يشرح نفسه، أن "الله ليس مسببًا للشرور"، وفيه يشرح أن الله يمسك بيد الإنسان في حياته، إلا أنه يترك أيدي الخطاة (الذين لا يريدون أن يمسكوا يده)، فيسقطون من نعمته في نتائج الشر، وهذا لحكمته العالية[20].

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[1] For Egyptian Gods: (2013, September 27). Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt - Oxford Reference. Retrieved from https://www.oxfordreference.com

[2] For Greek Gods: (n.d.) Dictionary of Greek and Roman Biography and Mythology, Retrieved from http://www.perseus.tufts.edu/hopper

[3] معنى الكلمة بالغة اليونانية هو "موت"، ونسمعها اليوم في ألحان الكثير اليونانية مثل لحن القيامة حينما نقول "ثاناتو ثاناتون باتيساس" أي: بالموت داس الموت

[4] https://www.biblegateway.com/quicksearch/?quicksearch=hades&qs_version=NIV

[5]آخرون مثل ماركيون ادّعوا وجود إلهين، واحد للخير وآخر للشر. ورد عليه العلامة ترتليان بنفس فكر الأسقف أرخيلاوس وذكر نفس الآية أن الله قال عن نفسه (خالق الشر). ولقد اكتفيت في هذا الكتيب بجدال الأسقف أرخيلاوس مع ماني لعدم تكرار نفس الفكرة حيث أن هذه ليست الفكرة الأساسية للكتاب، ولكن الكتاب سيعرض فكر ترتليان في تفسير نفس الآية أيضًا.

Cf. Tertullian, The five Books against Marcion, ANF03, Ch. XVI.

[6] كان ماني ينادي بوجود صراع أبدي بين الخير والشر وبالتالي بين إله الخير وإله الشر. وقد قال عن نفسه أنه رسول يسوع المسيح وأنه هو الباراقليط الذي أتي من بعد صعود المسيح. كذلك يؤمن ماني أن يسوع المسيح هو إنسان قد استنار، وأن ماني حدث له نفس ما قد حدث للمسيح، كما أنه اعتبر نفسه خاتم الأنبياء. درس ماني تعاليم المسيح والعهد القديم، وتعاليم بوذا وزرادشت. وقد كانت فلسفته عبارة عن خليطًا من هذه المعتقدات.

[7]هذا الجدال مذكور مرتين في موسوعة الآباء ما قبل نيقية وما بعد نيقية كما يلي:

i.ANF06, A Fragment of the Same Dispute,

ii. Cyril of Jerusalem in NPNF 207, The Catechetical Lectures.

[8] (تث 4: 24).

[9] لم يكن ماني يؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله الوحيد، بل كان لديه عدة اعتقادات غريبة تخص ربنا يسوع المسيح مثل إنه رسول.

[10] (لو 12: 49).

[11] (1 صم 2: 6).

[12] يقصد الله في العهد القديم في الآيات مثل (تث 32: 22).

[13] (مت 25: 41).

[14] (مت 10: 34).

[15] (2 كو 4: 4).

[16] (2 كو 4: 3).

[17] (متى 7: 6).

[18] (متى 13: 13).

[19] (متى 25: 29).

[20] القديس باسيليوس، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة المركز الأرثوذكسي للدراسات الأبائية ص27.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-pakhomius-marcos/god-peace-vs-calamity/preface.html

تقصير الرابط:
tak.la/56r6npf