St-Takla.org  >   books  >   fr-pakhomius-marcos  >   visiting-iniquity
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب إيمان الكنيسة حول آية: أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ - القس باخوميوس القمص مرقص جبرة

5- كيف فهم اليهود هذه الآية؟

 

من الجيد معرفة كيف فهم اليهود هذه الآية، وكيف فسروها، مما في ذلك من انعكاس لثقافة اليهودي فيما يخص وراثة الابن ذنب أبيه. لذلك سأسرد كيف فهم معلمي اليهود هذه الآية من خلال أربع مواضع في الأدب اليهودي.

1. الرابي يهوذا ابن ايلاي Judah bar Ilai (حوالي القرن الثاني الميلادي) والرابي شيمون بن يوخاي Shimon bar Youchai (حوالي القرن الثالث الميلادي) يقترحان ترجمة أخرى للآية. فاللفظ العبري المُتَرجَم "أفتقد" يمكن أن يعني "أتذكر" أو "أحتفظ بـ".[5] وهكذا تعني الآية أن الله لا يُعاقب مباشرةً على الخطأ، بل يحتفظ به وينتظر، هل سيستمر الخطأ للجيل الثاني؟ وإذا استمر فإن الله يصبر أيضًا إلى الجيل الثالث وهكذا للجيل الرابع الذي يصل إلى نهاية صبر الله، فيعاقب الجيل الخامس إذا اتبع خطايا أجداده. ويستشهد الرابي يهوذا بقصة ياهو بن نمشي الذي وعده الرب بجلوسه هو ونسله على كرسي مملكة إسرائيل للجيل الرابع. ولأنهم عبدوا العجل، فإن الله احتفظ بالعقاب ولم ينزل به على نسل ياهو لأربعة أجيال ثم عاقبهم الله في الجيل الخامس وأزال عنهم كرسي المملكة. (راجع 2 مل: 10) و(2 أخ 15).

St-Takla.org Image: A costume of a newlywed Jewish man - The Irish Jewish Museum, Dublin, Ireland - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, June 6, 2017. صورة في موقع الأنبا تكلا: زي (ملابس) رجل يهودي يتزوج - من صور المتحف اليهودي الأيرلندي، دبلن، أيرلندا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 6 يونيو 2017.

St-Takla.org Image: A costume of a newlywed Jewish man - The Irish Jewish Museum, Dublin, Ireland - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, June 6, 2017.

صورة في موقع الأنبا تكلا: زي (ملابس) رجل يهودي يتزوج - من صور المتحف اليهودي الأيرلندي، دبلن، أيرلندا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 6 يونيو 2017.

2. التقليد اليهودي يشرح الآية في الجمارا[6] في هيئة حوار مجهول الطرفين سنشير إليهما بـ"ا" و"ب" كما يلي:[7]

أ: ألا يُمات الأبناء بسبب خطية آبائهم؟ أوليس مكتوب: "مُفْتَقِدٌ إِثْمَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ، وَفِي أَبْنَاءِ الأَبْنَاءِ، فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ" (خر 34: 7)؟

ب: هذه الآية تشير إلى موقفٍ يتبنى فيه الأبناء تصرفات أجدادهم. فلو لم يسلكوا مثل أجدادهم، فلن يُعاقبوا على خطايا أجدادهم. وهذا كما يُقال في موضع آخر (في التقليد اليهودي) بخصوص الآية: "وَأَيْضًا بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ مَعَهُمْ يَفْنَوْنَ." (لا 29: 39) فإنه يشير إلى الموقف الذي يتبنى فيه الأبناء أفعال (خطايا) أجدادهم.

أ: هل تقول بأن هذه الآيات تُشير بالتحديد إلى الموقف حيث يتبنَّى الأبناء سلوكيات أجدادهم، أم يمكن أن تُطبق (الآيات) حتى لو لم يتبنون سلوكيات أجدادهم؟

ب: حينما تُصرّح الآية: " كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ" (إر 31: 30)، فإن التوراة تشرح أن الواحد لا يموت لو لم يخطئ. وهكذا فإن الآية: "وَأَيْضًا بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ مَعَهُمْ يَفْنَوْنَ." (لا 29: 39) تُشير إلى الموقف حيث يتبنى الأبناء أفعال (خطايا) أجدادهم.

أ: ولكن هل الخَلَف لا يُعاقب بسبب خطايا السلف إلا لو تبنوا سلوكياتهم؟ أوليس مكتوب "وَيَعْثُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ" (لا 26: 37)؟

ب: هذه الآية تُفهم بشكل تعليمي بحيث تشير إلى أن الشعب اليهودي سيَعثُر، الواحد بسبب خطية الآخر؛ وكأننا نقول إن البعض سيُعاقب على خطية الآخر. وهكذا نتعلم بأن كل اليهود يُعتبروا ضامنين بعضهم بعضًا، أو كما يمكن أن نقول، مسئولين عن بعضهم البعض.

انتهى الحوار بين الإثنين، ومنه نقدر أن نفهم أن الله لا يجازي ابنًا بسبب خطية أبيه إلا لو استمر على نفس الخطية.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

3. في التطبيق العملي للقوانين اليهودية نجد أن المُعلمين كانوا لا يفرضون عقابًا على مجرم، قد يشترك الأبناء في تنفيذه دون أن يكونوا قد اشتركوا بالفعل في الجريمة. ففي قضايا الشهادة الزور مثلًا، نجد أن العهد القديم يورد حكمًا على الشاهد الزور: "فَافْعَلُوا بِهِ كَمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ. فَتَنْزِعُونَ الشَّرَّ مِنْ وَسْطِكُمْ." (تث 19: 19) بمعنى أنه لو شهد "أ" على "ب" بأنه قاتل عمد ويستوجب الموت، وأثبتت التحقيقات أن "ا" شاهد زور، يجب أن يُطبق عليه الحُكم الذي كان سيُطبق على "ب"، ويصبح "أ" مستوجب الموت. ولكننا نجد أن القوانين اليهودية لم تنفذ هذا الأمر دائمًا. فإذا كان تنفيذ هذه العقوبة سيشمل تنفيذ عقوبة لأبناء الشاهد الزور، كان يُوضع استثناء للقانون الكتابي. المثال التخيلي التالي يوضح واحدة من تلك الاستثناءات.

شَهدَ سمعان الكاهن وصديقٌ له[8] أن يوحنا الكاهن لا يصح أن يكون كاهن شرعي، لأن والدته كانت قد تزوجت مرة وطُلِقَت ثم تزوجت والد يوحنا. والشريعة الكتابية تحكم بأن يوحنا يتجرد من الكهنوت، لأن ابن الزواج الثاني لا يصلح للعمل الكهنوتي[9]. وأثبتت التحقيقات أن سمعان وصديقه قد شهدا زورًا. وطبقًا للشريعة الكتابية، فإن القضاة يجب أن يحكموا على سمعان بالتجرد من الكهنوت كما كان سيُحكَم على يوحنا. ولكننا نجد أن التقليد اليهودي[10] لا يحكم بذلك، بل يحكم على سمعان بأربعين جلدة فقط، لماذا؟ يشرح الرابي يشوع ابن لاوي Rabbi Joshua ben Levi السبب ويقول بأن النص الكتابي يقول: " فَافْعَلُوا بِهِ كَمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ" وكلمة "به" في الآية تعني الشخص نفسه وليس أولاده أيضًا. وإذا تجرّد سمعان من الكهنوت، سيتجرد بالتالي كل نسله من الكهنوت لأن الكهنوت مُورَّث في إسرائيل. فهذا العقاب يقع على سمعان وأولاده وهكذا فإن هذا العقاب مرفوض، ويُجلَد سمعان بدلًا من التجريد.

وهكذا يمكننا أن نفهم أن بني إسرائيل رفضوا تنفيذ عقوبة على شخص، يمكن أن تطول أحد أبناءه.

4. وباختصار فإن رأي راشي[11]، أحد أهم شخصيات التقليد اليهودي، هو كالآتي:

 [وكما يضيف الترجوم[12] لهذه الآية: عندما يستمر الابن على خطية أبيه، أو كما يمكن أن نقول، عندما يتشبث الابن بأفعال أبيه]

ونورد الترجمة الحرفية لما ذُكِرَ في الترجوم:

"لأني أنا الله إلهك، إله غيور ومُنتَقم، أعاقب بنقمةٍ، أُسَجل (أُدوّن) ذنب الآباء الأشرار على الأبناء المتمردين، للجيل الثالث والرابع من الذين يبغضونني"

وجدير بالذكر أنه في الأدب اليهودي هناك حوارًا خياليًا دار بين الله وموسى، كالتالي: [13]

الله: (إني) أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ. (تث 5: 9)

موسى: يا سيد الكون، كم من أُناس أشرار أنجبوا أناس صالحين؟ فهل يُعاقَب هؤلاء بسبب خطايا آبائهم؟ فلقد عبد تارح الأصنام، وكان ابنه ابراهيم بارًا. وكذلك حزقيا كان بارًا، وأبوه آحاز كان شريرًا. وهكذا أيضًا يوشيا كان بارًا، ولكن أباه آمون كان رجلًا شريرًا. فهل من اللائق أن يُجلَد هؤلاء الأبرار بسبب خطايا آبائهم؟

الله: لقد علمتني أمرًا. وحياتك سأبطل حُكمي، وسأقيم كلمتك وستقول: لاَ يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ الأَوْلاَدِ، وَلاَ يُقْتَلُ الأَوْلاَدُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ (تث 24: 16). وحياتك، سأكتب هذه بإسمك، كما يقول (الكتاب): حسب ما هو مكتوب في سفر شريعة موسى حيث امر الرب قائلا لا يُقتل الاباء من اجل البنين والبنون لا يقتلون من اجل الاباء إنما كل انسان يقتل بخطيته (2 ملوك 14: 6).

وبالطبع لا نستطيع أن نوافق على هذا النص أو نُدرجه كفهم اليهود الرسمي للنص. وواضح جدًا أن كاتبه كان يريد أن يضع حكمة على فم موسى ولكن الحبكة الدرامية للحوار تاهت عن المسار الطبيعي. فبالطبع أي دارس بسيط للكتاب المُقدس يعرف أن حزقيا وآحاز ويوشيا وآمون جاءوا بعد موسى بسنين طويلة، فكيف يذكرهم موسى في الحوار؟ يجوز أن الكاتب أراد أن يكرر موقف شفاعة موسى أمام الله عن شعب إسرائيل (راجع خروج 32)، وذلك لأن موسى يُعتبر أعظم الأنبياء ورئيسهم.

ولقد ذكرنا هذا النص فقط من أجل أن تكتمل الصورة عندما نقرأ تعليق القديس كيرلس الكبير الذي هاجم هذه الفكرة جدًا. ليس لدي حاليًا ما يُثبت أن القديس كيرلس قد اطلع على الفكرة السابقة، ولكن رده التالي يوحي بذلك بشدة.

يقول القديس كيرلس:

[ولكنى أظن أنه ليس هناك أحد تصل به الغباوة لدرجة أنه يفكر أن الله لم يشرّع في البداية بالطريقة الأحسن، ولكنه فيما بعد غيّر خططه وحوّل أفكاره إلى ما أحسن. وكأنه مثل واحد منا - بصعوبة وبعد تفكير عميق أمكنه أن يحسن تشريعه إلى ما هو مناسب أكثر. وفي مثل هذه الحالة فإننا إن مدحنا الشرائع السابقة فإننا بذلك نوجه اللوم للشرائع اللاحقة، وإن عبّرنا عن رأى بأن الشرائع اللاحقة أكثر تفوقًا فإننا بذلك سوف نقلل من قيمة الشرائع السابقة. وفي هذه الحالة سيكون الله متناقضًا مع نفسه ويكون قد عجز عن الوصول إلى المستوى الكامل كما يحدث معنا نحن، وذلك بأن يشرّع بشيء في وقت معين وبشيء مختلف في وقت آخر. ولكنى أظن أن كل واحد سيقول إن الطبيعة الإلهية لا يمكن أن تكون معرّضة لمثل هذه التناقضات في أي أمر، ولا يمكن أن تَنقص عن كمالها المُطلق.]

وهكذا فإن التقليد اليهودي في أكثر من موضع رفض الفهم السطحي بأن الله سيعاقب الأبناء بسبب خطية آبائهم. ولكن في الحقيقة نجد بعض الكلمات الوعظية أو التحذيرية التي استخدمها بعض الشُرّاح في التقليد اليهودي لكي يخيفوا الآباء من أن يخطئوا وإلا سيقع عليهم وعلى أولادهم العقاب. وأظن أن هذه العظات كان لها تأثير واسع في الشعب اليهودي وإلا فلماذا سأل التلاميذ سؤالًا بكل تلقائية حينما رأوا المولود أعمى وقالوا: "يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟" (يو 9: 2)

فالجزء الأول من الاستفهام يُمكن أن يُفهم بسهولة بحسب شريعة العهد القديم، حيث كان الله يبارك الإنسان بالصحة والعمر الطويل والبنين وببركات حسية، والعكس أيضًا، فإن الغضب المُعلَن في نصوص كثيرة يظهر في صورة بَرَص وسبيّ وموت. فسؤال التلاميذ بخصوص إذا كان هذا الإنسان أخطأ ليكون أعمى، سؤال طبيعي من حيث ما تعلموه عن بركات الله الحسية، إلا أن هذا السؤال -كما وضّح القديس ذهبي الفم- غير منطقي، لأنه كيف يُمكن أن يخطئ هذا الإنسان قبل أن يولد حتى يُعاقب بسبب خطيته بولادته أعمى؟

المشكلة الأكبر والتي نبحث عن إجابتها هنا بحسب توجه هذا الكتيب هي تأصل فكرة إمكانية إصابة الإنسان بمرض نتيجة خطية الوالدين. يمكن أن يكمن الجواب في أن التقليد اليهودي المكتوب متأخر عن زمن المسيح، وبذلك حدث تطور في المفاهيم. أو يجوز أن العظات التحذيرية والكلمات المخيفة هي التي استوغلت في الادراك الشعبي بعيدًا عن التفاسير الخاصة بالنصوص.

وقد أضاف القديس يوحنا ذهبي الفم سببًا آخر وراء سؤال التلاميذ، وهو أنهم سألوا هذا السؤال، ليس بحثًا عن إجابة بقدر ما أنهم قد أصابهم الارتباك. فإنهم قد رأوا المسيح يحث المخلع (يو 5) على التوبة قائلًا: "لا تُخطئ أيضًا لئلا يكون لك أشر". فيتساءل القديس يوحنا ذهبي الفم ويشرح أنه إذا كان مرض المخلع بسبب خطيته، فماذا يقدر المسيح أن يقول هنا؟ فهو مريض منذ لحظة ميلاده. إلا إذا كان هذا المرض بسبب خطية أبويه!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[5] اللفظ العبري פֹּ֠קֵד والمُترجَم "مُفتقد" له الكثير من المعاني والدلالات. فحتى كلمة "مُفتقد" يمكن أن تعني أنه سيأتي بالعقاب، وأيضًا يمكن أن يفتقد بالنِعَم (راجع تك 21: 1 وخر 3: 1-6)، كذلك فإن اللفظ له معاني كثيرة أخرى مثل أن يَعِدّ، مثلما عدّ موسى الشعب (عدد 3: 15)، أو أن يوصي الله شخصًا (2 أخ 36: 23).

[6] شروحات للقوانين اليهودية.

[7] Talmud, b, Nezikin, Senhedrin 27b.

[8] كان يلزم وجود شاهدين حتى تُقام القضية. (راجع تث 19: 15).

[9] راجع (لا 21: 7).

[10] Talmud, b, Nezikin, Makkot, XVIII.

[11] راشي هو الرابي (المعلم) شلومو يتذاكي من أهم مفسري القوانين اليهودية المتوارثة. عاش في القرن الحادي عشر وشرحه مطبوع تقريبًا في كل كتب التلمود (التقليد اليهودي).

[12] ترجمة آرامية حُرة للعهد القديم.

[13]Tanḥuma Yelammedenu, Numbers Rabbah II 19:33 according to Manuscript Paris 150.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-pakhomius-marcos/visiting-iniquity/jews.html

تقصير الرابط:
tak.la/xf66ypw