St-Takla.org  >   books  >   fr-youhanna-fayez  >   trials-of-jesus
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب محاكمات السيد المسيح وصلبه حسبما جاءت في العهد الجديد: دراسة تاريخية وتحليلية - القمص يوحنا فايز زخاري

47- ثانيًا: ساعات الظُلْمة

 

تابع: ما بعد الكلمة الثالثة:

 

(متى45:27)

(مرقس33:15)

(لو44:23)

وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ إلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ.

وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ، كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ.

وَكَانَ نَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ، فَكَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ.

 

يقول القديس كيرلس الإسكندري: [لما ثبَّتوا رب الكل على الصليب، انسحبتِ الشمس من على رؤوسهم، وتَدَثَّر النور بالظلام في منتصف النهار، مثلما أنبأ عَامُوس النبي (عَا18:5)، وداود يلعنهم قائلًا: «لِتُظْلِمْ عُيُونُهُمْ عَنِ الْبَصَرِ.» (مزمور23:69). فالخليقة ندَبت ربَّها. والشمس أظلمت والصخور تشققت، والهيكل ارتدى ثياب النائحين، إذ انشق حجابُه من أعلى إلى أسفل، وهذا ما يقوله الله بفم إشَعْيَا: «أُلْبِسُ السَّمَاوَاتِ ظَلاَمًا، وَأَجْعَلُ الْمِسْحَ غِطَاءَهَا» (إشعياء3:50)][356]

ويتساءل القديس أثناسيوس:أيُ إنسان أظلمت الشمس وتزلزلت الأرض عند موته؟ فأيٌّ من البشر الذين يموتون كل يوم منذ القديم وإلى الآن، حدثت عند موته عجيبة كهذه؟».][357]

[هال ذلك إبليس، وأراد الانسحاب من أمام المسيح، وتنبأ داود قائلًا: «الْبَحْرُ رَآهُ فَهَرَبَ. الأُرْدُنُّ رَجَعَ إلَى خَلْفٍ.» (مز3:114). فماذا فعل الصياد الحكيم؟ «صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا: إلهِي، إلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (متى46:27). فتجرأ الشيطان وتَوَهَّم أن المسيح خائفٌ. فاقترب إليه مُنتظرًا خروجَ رُوحِه ليَتسلمها ككل البشر، ظانًا أنها روحٌ عادية. وإذا بالمسيح «صَرَخَ بصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: "يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي". وَلَمَّا قَالَ هذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ.» وقَبض على الشيطان وقيده.][358]

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. الكلمة الرابعة:

«إلهِي، إلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (مت46:27).

»θεέ μου θεέ μου, ἱνατί με ἐγκατέλιπες«

(متى46:27-47)

(مرقس34:15- 35)

وَنَحْوَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا: "إيلِي، إيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي"؟ أَيْ: إلهِي، إلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ فَقَوْمٌ مِنَ الْوَاقِفِينَ هُنَاكَ لَمَّا سَمِعُوا قَالُوا: "إنَّهُ يُنَادِي إيلِيَّا".

وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا: "إلُوِي، إلُوِي، لِمَا شَبَقْتَنِي"؟ اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إلهِي، إلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا: "هُوَذَا يُنَادِي إيلِيَّا".

 

St-Takla.org Image: Jesus on the cross: "And at the ninth hour Jesus cried out with a loud voice, saying, “Eloi, Eloi, lama sabachthani?” which is translated, “My God, My God, why have You forsaken Me?”" (Matthew 27:46; Mark 15:34) - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909. صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح على الصليب: "وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: «إلوي، إلوي، لما شبقتني؟» الذي تفسيره: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" (مت 27: 46؛ مرقس 15: 34) - من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909 م.

St-Takla.org Image: Jesus on the cross: "And at the ninth hour Jesus cried out with a loud voice, saying, “Eloi, Eloi, lama sabachthani?” which is translated, “My God, My God, why have You forsaken Me?”" (Matthew 27:46; Mark 15:34) - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909.

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح على الصليب: "وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: «إلوي، إلوي، لما شبقتني؟» الذي تفسيره: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" (مت 27: 46؛ مرقس 15: 34) - من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909 م.

وهذه الكلمة من كلمات المسيح على الصليب تحمل معانٍ كثيرة:

1. [لم يستغثِ الربُّ بالآب؛ فهو الإله الظاهر في الجسد. وبقوته قال: «لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا». (يوحنا17:10، 18).][359] إنما:

2. [يعلن الرب أنه يحقق نُبوَّةَ دَاوُدَ النبي «إلهِي، إلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي...» (مَزْ1:22-18)][360]. فحينما يسمع رؤساء الكهنة بداية المزمور، يتذكرون بقية كلماته ويسألوا أنفسهم عن مَن يتكلم داود. وبقليلٍ من التفكير يَصِلُوا للإيمان. فمن ثَقَبُوا يَدَيّه وَرِجْلَيه غير ربنا يسوع المسيح؟!

3. السؤال في زمن الماضي «لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟». لقد تركه الآب للألم، تركه للإهانة.

وضعوا فوق رأسه عُنْوَانًا مَكْتُوبًا «هذَا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ»، وصلبوه بين لصين يعيرانه «إنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ، فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإيَّانَا!» (لو39:23)، ورؤساء الكهنة استهزأوا مع الكتبة والشيوخ قائلين «خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا! إنْ كَانَ هُوَ مَلِكَ إسْرَائِيلَ فَلْيَنْزِلِ الآنَ عَنِ الصَّلِيب فَنُؤْمِنَ بِهِ!» (متَّى40:27 ،42). فانطبقت عليه نُبُوَّة المزمور: «لكِنَّكَ رَفَضْتَ وَرَذَلْتَ غَضِبْتَ عَلَى مَسِيحِكَ. نَقَضْتَ عَهْدَ عَبْدِكَ نَجَّسْتَ تَاجَهُ فِي التُّرَابِ» (مز89 :39،38)

4. صَرَخَ يَسُوعُ ممثِّلًا للبشريّة التي سقطت قائلًا: «إلهِي، إلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (مز1:22).

وإذ أحنَى رأسه ليحمل خطايا البشريّة، صار كمن حَجب الآب وَجهه عنه، حتى دفع الثمن كاملًا، فعاد بنا إلى الآب الذي كان محتجِبًا عنَّا. يقول ذهبي الفم: [إنها صرخة نبوية، يشهد بها حتى الساعة الأخيرة للعهد القديم، أطلقها بالعبرية لتكون واضحة لليهود. وبصرخته ذَكَّر اليهود أيضًا بالمزمور الثاني والعشرين الذي بدأ بهذه الصرخة.][361] مُعلِنًا أن أحداث الصلب، هي بالتدبير الإلهي السماوي، الذي سبق فأعلن عنه بالأنبياء.

5. لم يقُل أبي بل قال إلهِي؛ لأنه لا يتكلم بِصفتِه الذاتية كواحد مع الآب في الجوهر، إنما تكلم نائبًا عن البشرية كآدم الثاني حامل خطايانا. وكمُعلِّم يُعلن أن آلامه حقيقية؛ فهو الإله المُتأنس تأنُّسًا حقيقيًا، يشعر بآلام الجسد والنفس مثلنا، بل وآلام الروح باعتباره حامل خطايا البشرية كلها، فأيُّ ألمٍ نفسي وروحي نتوقعه يشعر به قدوسُ القديسين حينما يَحمل آثامنا؟

 «لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.» (2كو21:5).

 «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إثْمَ جَمِيعِنَا.» (إش6:53).

6. ولا تُحسَب عبارة «لِمَاذَا تَرَكْتَنِي» بِمعنى أن اللاهوت فارق الناسوت على الإطلاق؛ لأن لاهوته لم يفارق ناسوته منذ التجسد في أحشاء العذراء وإلى الأبد "لحظةً واحدةً ولا طرفةَ عينٍ". إنما اللاهوت ترك الناسوت للألم، فلم يرفع عنه الآلام، بل تركه يتألم ألمًا حقيقيًا.

 

«فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا: "هُوَذَا يُنَادِي إيلِيَّا"». (مت47:27، مر35:15).

كان هذا بسبب التشابه بين لفظة إيلي أي إلهِي ولفظة إيليا في اللسان العبري. ولنلاحظ أنَّه ليس كل الواقفين توَهَّموا هذا. فيهودُ أورشليم يفهمون العبرية بدقة ولا يختلط عليهم الأمر، أما يهود الشتات والأمميون الذين حدثت بسببهم معجزة التكلم بألسنة (أعمال4:2) فالأمر يَختلط عليهم.

وحينما قال الرب: «إلهِي، إلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» يجب أن يفهم الواقفون من اليهود، ورؤساء الكهنة أن المصلوب هو المسيا المنتظر الذي تنطبق عليه كلمات المزمور، ويدركوا أنهم بأنفسهم نفَّذوا دون أن ينتبهوا كلمات النُبُوَّة. فالاستهزاء، والشتائم، وعبارة اتكل على الرب فلينجِه التي نطقوا بها، والعطش الشديد حتى لصق لسانه بحلْقه، والأشرار الذين أحاطوا به وصرخوا في وجهه أن يُصلب، وأنهم ثقبوا يديه ورجليه، واقتسموا ثيابه وعلى لباسه اقترعوا. كلها ذُكِرت في هذا المزمور: «لِمَاذَا تَرَكْتَنِي،... عَارٌ عِنْدَ الْبَشَرِ وَمُحْتَقَرُ الشَّعْبِ. كُلُّ الَّذِينَ يَرَوْنَنِي يَسْتَهْزِئُونَ بِي. يَفْغَرُونَ الشِّفَاهَ، وَيُنْغِضُونَ الرَّأْسَ قَائِلِينَ: 8"اتَّكَلَ عَلَى الرَّبِّ فَلْيُنَجِّهِ، لِيُنْقِذْهُ لأَنَّهُ سُرَّ بِهِ"... انْفَصَلَتْ كُلُّ عِظَامِي. صَارَ قَلْبِي كَالشَّمْعِ....يَبِسَتْ مِثْلَ شَقْفَةٍ قُوَّتِي، وَلَصِقَ لِسَانِي بِحَنَكِي، وَإلَى تُرَاب الْمَوْتِ تَضَعُنِي.. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ. أُحْصِي كُلَّ عِظَامِي، وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَيَتَفَرَّسُونَ فِيَّ. يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ.» (مز1:22-18). وكل هذا تم فعلًا حرفيًا. فمن ذا الذي يسمع المزمور، ولا يؤمن أن يسوع هو المسيا الذي تكلم عنه داود النبي؟!

 

في كلمات الرب على الصليب استعمل التعبيرين: «يَا أَبَتَاهُ»، و«إلهِي»:

ففي ندائِه «يَا أَبَتَاهُ»: ردَّ على الذين كانوا يَتحَدُّونه: «إنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ.»، وأعلن أنه ابْنُ اللهِ، ولكنه لم ينزل عن الصليب، ليُكمل الفداء، ويفتح باب الفردوس.

وفيها أيضًا: شَجَبَ الهرطقة الأريوسية التي أنكرت لاهوت المسيح في القرن الرابع.

وفي عبارة «يا إلهِي»: شَجَبَ هرطقة أوطيخا الذي أنكر ناسوته في القرن الخامس.

[في الأولى تكلم كابن الله، وفي الثانية تكلم كابن الإنسان نائبًا عن البشر.][362]

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[356]القديس كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل القديس لوقا، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد بطرس، مؤسسة القديس أنطونيوس المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، طبعة ثانية 2007م، عظة 153، ص750.

[357] القديس أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، ترجمة د. جوزيف موريس، مؤسسة القديس أنطونيوس المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية. طبعة أولى، الفصل التاسع والأربعون، ص146.

[358]الشماس أمين باسيل واعظ جمعية التوفيق الأرثوذكسية، رائد الأرثوذكسية، عصر البابا كيرلس الخامس، لم تُذكر سنة الطبع ص25.

[359]الصفي ابن الشيخ فخر الدولة أبي الفضل ابن العسال، الصحائح في جواب النصائح، مكتبة مرقس جرجس 1928م، ص45.

[360]الشماس عبيد بطرس، الرسالة الذهبية في اتفاق الأقوال القرآنية والإنجيلية، ص43،42.

[361]القمص تادرس يعقوب ملطي، تفسير الإنجيل بحسب القديس متى، طبعة أولى 1983م، ص553.

[362]البابا شنوده الثالث، مجموعة تأملات في أسبوع الآلام، طبعة ثانية 1991م، ص204.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-youhanna-fayez/trials-of-jesus/last-words-4.html

تقصير الرابط:
tak.la/x42dab4