St-Takla.org  >   books  >   fr-youhanna-fayez  >   trials-of-jesus
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب محاكمات السيد المسيح وصلبه حسبما جاءت في العهد الجديد: دراسة تاريخية وتحليلية - القمص يوحنا فايز زخاري

50- أولًا: آيات حدثت في الطبيعة أثناء الصلب

 

محتويات: (إظهار/إخفاء)

1. ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ / الساعات الثلاثة الأخيرة
2. انْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ
3. الأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ، وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ
4. قَامَ كَثِيرٌ مِنْ الرَّاقِدِينَ أثناء موت المسيح
عجيبٌ هو الرب

هناك أحداث حدثت في الطبيعة صاحبت الصلب، ذكرتها البشائر الثلاثة ولم يذكُرها مار يوحنا:

أولًا: لتُثبِت أن المصلوب إله الطبيعة يُحركها كما يشاء. فبسلطانه يزلزل الأرض، كما أن له السلطان على الموت والحياة.

بسلطانه يُشَقِّقَ القبور ويقيم الأجساد منها، وبسلطانه يُحرر الأرواح من قبضة الشيطان والهاوية.

وهنا بالحقيقة يُقال: «أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟» (1كو15: 55).

هذه الآيات حدثت لتُعلن أن الطبيعة تجاوبت مع المصلوب، توبيخًا لصالبيه، شهدت لخالقها المتألم ولقوته؛ لئلا يُظَن أن المسيح صُلِب ضعفًا. فالذي زَلزَل الأرض أثناء صلبه وشَقَّ الصخور وفَتَحَ القبور وأقام الموتى، كان يمكنه ألا يُصلَب بل يُزلزل صالبيه ويَشُقهم من الوسط كما شق حجاب الهيكل، لكنه لم يفعل؛ لأنه مات بإرادته، وبذل ذاته عنا لفدائنا.

وأدركتِ الحواس ما فعلَتْه الطبيعة، فنَظَرَ الإنسان: حِجَاب الْهَيْكَلِ ينْشَق، وأحس: بالأَرْضُ وقد تَزَلْزَلَتْ، وسمع: الصُّخُورُ وقد تَشَقَّقَتْ.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ

 

(متى45:27)

(مرقس33:15)

(لوقا44:23-45)

وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ إلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ

وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ.

وَكَانَ نَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ، فَكَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. وَأَظْلَمَتِ الشَّمْسُ.

 

حجب الآب وَجهه عن الابن حامل الخطية، فحجبت الشمسُ وجهها عن الأرض كلها.

[لا يمكن أن تكون هذه الظُلْمَةُ عَلَى الأَرْضِ كسوفًا؛ لأن صلْب المسيح كان في 14 من الشهر الهلالي، حيث تكون الشمس مفارقة للقمر مئة وثمانين درجة، والكسوف الشمسي لا يبقى ثلاث ساعات.][374]

بدأت الظُلْمَة عند صلب المسيح وانتهت عند موته؛ فهو أمرٌ فائق الطبيعة، يُعبِّرُ عن غضبها إزاء شر الذين صلبوا نور العالم. وقد سبق وتنبأ الأنبياء عن هذه الظُلْمَة: «لِيَرْتَعِدْ جَمِيعُ سُكَّانِ الأَرْضِ لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَادِمٌ، لأَنَّهُ قَرِيبٌ: يَوْمُ ظَلاَمٍ وَقَتَامٍ» (يؤ1:2-2).

[فمَن كان يستطيع أن يطلب إلى الآب أن يرسل ابنه ليصعد على الصليب عوضًا عن الخطاة؟!

 عظيم هذا العمل عن إدراك الأرضيين. لا يجرؤ أحد أن يفكر فيه أو أن يطلبه. لكن تَحنَّن الآب على خليقته، وأرسل ابنه إلى الخطاة ليَطلبهم ويَجذِبهم ويَردهم إلى أبيه. وصُلب فبدأ الظلام؛ ليضيء هو لِبَني البشر بإشراقه العظيم.][375]

 

St-Takla.org Image: Christ being offered vinegar, the other two crosses too (one repenting and the other blaspheming), St. Mary and St. John at the foot of the cross, along with the pelican symbol (providing her own blood to her young, by wounding her own breast when no other food was available). - from: Mirror of Human Salvation manuscript (image 127) (Speculum Humanae Salvationis), (Cologne or Westfalia, c1360) - Universitäts-und Landesbibliothek, Darmstadt, Germany, Hs 2505. صورة في موقع الأنبا تكلا: إعطاء السيد المسيح الخل، ويظهر المصلوين الآخرين بجانبه (واحد يتوب والآخر يجدف)، كما تظهر السيدة مريم العذراء والقديس يوحنا الحبيب عند أقدام الصليب، مع رمز البجعة (التي تعطي من دمها لفراخها عن طريق جرح صدرها، عندما لا يوجد طعام متاح). - من مخطوط مرآة خلاص البشرية (صورة 127)، صدر في كولونيا أو وستفاليا بألمانيا، 1360 م. تقريبًا - جامعة دارمشتات التقنية، ألمانيا.

St-Takla.org Image: Christ being offered vinegar, the other two crosses too (one repenting and the other blaspheming), St. Mary and St. John at the foot of the cross, along with the pelican symbol (providing her own blood to her young, by wounding her own breast when no other food was available). - from: Mirror of Human Salvation manuscript (image 127) (Speculum Humanae Salvationis), (Cologne or Westfalia, c1360) - Universitäts-und Landesbibliothek, Darmstadt, Germany, Hs 2505.

صورة في موقع الأنبا تكلا: إعطاء السيد المسيح الخل، ويظهر المصلوين الآخرين بجانبه (واحد يتوب والآخر يجدف)، كما تظهر السيدة مريم العذراء والقديس يوحنا الحبيب عند أقدام الصليب، مع رمز البجعة (التي تعطي من دمها لفراخها عن طريق جرح صدرها، عندما لا يوجد طعام متاح). - من مخطوط مرآة خلاص البشرية (صورة 127)، صدر في كولونيا أو وستفاليا بألمانيا، 1360 م. تقريبًا - جامعة دارمشتات التقنية، ألمانيا.

الساعات الثلاثة الأخيرة:

ظل السيد المسيح "ذبيحة المحرقة الكفارية" مُعلَّقًا فوق الصليب، تشتعل فيه نيران العدل الإلهي، وفي الساعات الثلاثة الأخيرة، خيَّم الظلام، واختفى جبل الزيتون وقباب أورشليم. وسجل الإنجيل: «ولما كانت السَّاعَةِ السَّادِسَةِ، كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ» (لو44:23). [(من12- 3 بعد الظُهر) كانت ظاهرة خارقة للطبيعة، وكل المحاولات التي بُذلت لتفسيرها كظاهرة طبيعية فشلت، وذلك للأسباب الآتية:

1. حاول البعض القول بأن الظلام كان نتيجة لكسوف شمسي، والرد عليه سهل لقد صُلب السيد المسيح في الفصح اليهودي، وهذا يكون في الرابع عشر من الشهر القمري أي في اكتمال القمر، الأمر الذي لا يحدث معه كسوف للشمس حيث تكون الأرض بين الشمس والقمر[376].

2. عزى البعض حدوث الظلام إلى عاصفة ترابية نتيجة لهبوب رياح شرقية عاصفة، ولكن النص في الأناجيل لا يشير إلى وجود أي رياح أو عواصف ترابية بل إلى ظلمة استمرت ثلاث ساعات، وزلزلة عند موته.

3. عزى البعض الآخر حدوث الظلام إلى مرور كتلة ضخمة من السحاب غطت المنطقة، الظُلْمَةٌ كَانَتْ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا، وليس في منطقة محدودة دون غيرها.][377]

 

وهناك رأي آخر: أن المقصود بـ«ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا» (لو44:23):

· الأرض التي حدثت فيها أحداث الصلب كُلِّهَا.

· المعنى الروحي «فهذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ». (لو22: 53).

يقول العلامة أوريجينوس: [أعتقد أن العلامات التي صاحبت آلام المسيح حدثت في أورشليم فقط. فالظُلْمة التي خيمت على الأرض إلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ -الثالثة بعد الظهر- كانت في اليهودية فقط، وانشق حجاب الهيكل في أورشليم فقط، وخيم الظلام ثلاث ساعات على اليهودية. أما النور الذي يُضيئ كنيسة الله، فقد أشرق على الأرض كلها، وانقشع الظلام ثانيةً إلى أن يدخل الوثنيون، ثم يخلُص إسرائيل.][378]

سادت الظُلْمة على الأرض، «فهذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ». (لو22: 53)، إعلانًا عن سيادتها على العالم منذ سقوط آدم، وسمح لها الرب بهذا إلى حين، وترك السيِّد للظُلْمة سلطانها لكي تحاول أن تغلب النور فيُحطِّمها النور، والظُلْمة لا تدركه.

جاءت الساعة، وسلَّم الرب روحه الإنسانية، ونزل إلى الجحيم؛ فهو وحده القادر أن يحمل الذين رقدوا على الرجاء، كغنائم مقدّسة ويَدخل بهم إلى الفردوس، كما تنبأ الأنبياء. وقال القدّيس كيرلّس الأورشليمي معلقًا على قول زكريا النبي: «ويكون في ذلك اليوم أنه لا يكون نور... وَيَكُونُ يَوْمٌ وَاحِدٌ مَعْرُوفٌ لِلرَّبِّ. لاَ نَهَارَ وَلاَ لَيْلَ، بَلْ يَحْدُثُ أَنَّهُ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ يَكُونُ نُورٌ» (زكريا6:14، 7): [فهل يجهل الرب باقي الأيام؟ حاشا ولكن «هذا هو اليوم الذي صنعه الرب» (مز118: 24). هذا ما يفسِّره الإنجيل عندما يقول «وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ- في نصف النهار- إلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ». والظُلْمة يفسِّرها الله بقوله «والظُلْمة دعاها الله ليلًا» (تك1: 5). ولكن الشمس أشرقت بعد الساعة التاسعة. وعن هذا تنبَّأ النبي: «يَحْدُثُ أَنَّهُ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ يَكُونُ نُورٌ» (زك14: 7). ويُحدِّد عاموس النبي إظلام الشمس فيقول: «وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، أَنِّي أُغَيِّبُ الشَّمْسَ فِي الظُّهْرِ، وَأُقْتِمُ الأَرْضَ فِي يَوْمِ نُورٍ.» (عاموس8: 9). كما يُحدّد المُناسبة التي يتمّ فيها ذلك فيقول: «وَأُحَوِّلُ أَعْيَادَكُمْ نَوْحًا»؛ لأن المسيح صُلب في عيد الفِصح. وبعد ذلك يقول: «وَأَجْعَلُهَا كَمَنَاحَةِ الْوَحِيدِ وَآخِرَهَا يَوْمًا مُرًّا!» (عاموس8: 10)؛ لأنه في عيد الفِصح آخِر أيام الفطير بكَتِ النسوة وانتحبْن، والرسل كذلك اختبأوا وكانوا في مرارة.] ويُضيف القدّيس كيرلّس الكبير: [كانت هذه علامة لليهود أن أذهان صالبيه قدِ التَحفت بالظُّلْمة الروحيّة، إذ حدث عَمَى جُزئي لإسرائيل (رو11: 25)، وقد وَبَّخهم داود قائلًا: «لتُظلمّ عيونهم فلا ينظروا» (مز69: 23). اِنتحَبت الخليقةُ ذاتها، إذ أظلمتِ الشمس وتشقّقت الصخور وبدا الهيكل كمَنِ اكتسى بالحزن. كما قال الله على لسان إشعيا: «أُلْبِسُ السَّمَاوَاتِ ظَلاَما وَأَجْعَلُ الْمِسْحَ غِطَاءَهَا.» (إش50: 3).][379]

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. انْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ:

 

(متى 50:27-51)

(مرقس37:15-38)

(لوقا45:23-46)

فَصَرَخَ يَسُوعُ أَيْضًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. وَإذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلُ.

فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ, وانْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ إلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلُ.

وَانْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ مِنْ وَسْطِهِ. وَنَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: "يَا أَبَتَاهُ فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي". وَلَمَّا قَالَ هذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ.

 

حِجَابُ الْهَيْكَلِ: سِتارةٌ سميكة من كَتَّان فاخر، تلمس أرض الهيكل وتُخفِي خلفها قدس الأقداس، حيث يُسمَح لرئيس الكهنة أن يدخل. ويقول العلامة أوريجينوس: [مَن قرأ الكُتب المقدسة بإمعان وَجَد سِتْرين، سِترًا داخليًا يَحجُب قدس الأقداس، وسِترًا خارجيًا يحجب الهيكل. والذي انشق هو الحجاب الداخلي بين القُدس وقُدس الأقداس، مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلُ. وانكشف السر الإلهي بآلام الرب مُخَلِّصنا، عندما صرخ وأسلم الروح.][380]

 

[ فبموت المسيح على الصليب انتهى العهد القديم وعصر الناموس.

وبتقديم المسيح على الصليب ذبيحة حقيقية كَمُلت ذبائح العهد القديم؛ ولِذا انشق حِجَابُ الْهَيْكَلِ القديم، ليبدأ هيكل وذبيحة العهد الجديد الكفارية، ذبيحة الصليب الممتدة في الافْخارِسْتِيَا.

انشق حِجَابُ الْهَيْكَلِ حُزنًا على موت الرب رئيس الكهنة الأعظم][381].

انشق حِجَابُ الْهَيْكَلِ إشارة إلى رفْضِ اليهود للمسيّا وعملِه الخلاصي، فصاروا مرفوضين.

انشق حِجَابُ الْهَيْكَلِ ليعني نهاية الكهنوت اللاوي مع أنه ترتيب إلهي له معانيه النبوية ورموزه.

ويُعلِّق القدّيس كيرلّس الأورشليمي على انشقاق حِجَاب الْهَيْكَلِ فيقول: [لم يُترَك منه جُزءٌ إلا وانشقَّ، لأن السيِّد قال: «هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا!» (مت23: 38)][382]. انشق الحجاب الذي يفصل قدس الأقداس عن القدس؛ ليكشف عن عمل السيد المسيح الخلاصي، إذ بموته انفتح الطريق إلى قدس الأقداس الإلهيّ خلال اتّحادنا بالرب. ويقول القدّيس جيروم: [إن مفارقة نعمة الله للهيكل القديم فتحت الباب للأمم وأقامت الهيكل الجديد. كما يؤكّد يوسيفوس المؤرخ اليهودي: أنه في وقت صلب الرب، خرجت من الهيكل أصواتُ قوَّاتٍ سمائية تقول: لنرحل من هنا.][383]

انشق حِجَابُ الْهَيْكَلِ اليهودي إلَى اثْنَيْنِ مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلُ؛ ليؤكد أن الله هو الذي بدأ المصالحة [الحاجز المتوسط نقضته والعداوة القديمة هدمتها.][384] إذ تجسد وتأنس وصُلب عنا ودخل إلى الأقداس. وهنا ظهر كرسي الرحمة وتابوت العهد والكِروبان الذهبيان في قدس الأقداس، الذي لم يكن مسموحًا لأحد أن يدخله إلا رئيس الكهنة، ليس بلا دم، مرة واحدة في السنة. «وَأَمَّا الْمَسِيحُ، قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ... بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا.» (عب11:9 و12). [وجعل الطريق مفتوحًا أمام الذين يؤمنون به. وها نحن نرى أن معرفة الأسرار الإلهية تُعطَى لنا بوضوح بدون أن تُلَفَّ بأكفان حرف الناموس؛ لأَن المسيح لم يكن قد صُلِب لأجل خلاصنا بعد؛ لذلك كان الحجاب قائمًا لأَن قوة الناموس ووصاياه كانت لا تزال سارية المفعول، ولكن عندما مات المسيح وأسلم الروح، جاء الوقت وانشق الحجاب.][385] «إذ لَنَا.. ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إلَى الأَقْدَاسِ بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ، وَكَاهِنٌ عَظِيمٌ عَلَى بَيْتِ اللهِ.» (عب19:10-21).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. الأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ، وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ:

«فَلَمَّا رَأَوْا الزَّلْزَلَةَ وَمَا كَانَ، خَافُوا جِدًّا وَقَالُوا: "حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ"!» (مت54،51:27).

الزَّلْزَلَة في الكتاب المقدس ترتبط أولًا: بظهور الله. فهي تَجاوُب الطبيعة مع هيبة خالقها. جاء في سفر الخروج «وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ،.. وَارْتَجَفَ كُلُّ الْجَبَلِ جِدًّا.» (خروج18:19). ويقول داود النبي: «أَيَّتُهَا الأَرْضُ تَزَلْزَلِي مِنْ قُدَّامِ الرَّبِّ، مِنْ قُدَّامِ إلهِ يَعْقُوبَ.» (مزمور7:114).

وثانيًا: ترتبط بغضب الله عندما تصحبه ظواهر مرعبة، تُعَبِّر عن هذا الغضب. يقول داود النبي: «فَارْتَجَّتِ الأَرْضُ وَارْتَعَشَتْ، أُسُسُ الْجِبَالِ ارْتَعَدَتْ وَارْتَجَّتْ لأَنَّهُ غَضِبَ.. أَرْعَدَ الرَّبُّ مِنَ السَّمَاوَاتِ (مز13،7:18).

وفي العهد الجديد: [الزَّلْزَلَة تُشير إلى زلزلة الفكر، لكي لا نطلب الأرضيّات، بل السماويات. فبموت السيد المسيح تزلزل إنساننا العتيق داخل مياه المعموديّة، وأَخذْنا الإنسان الجديد القائم من الأموات. فمار بولس يقول: «إنِّي مَرَّةً أَيْضًا أُزَلْزِلُ لاَ الأَرْضَ فَقَطْ بَلِ السَّمَاءَ أَيْضًا.» (عب26:12). ففي طقس المعمودية نُحرِّك مياه المعموديّة بالصليب الذي يُزلزل أَرضنا الداخليّة ويُشقِّق الصخور ويَفتح القبر المقدّس ليُنعِم لنا بالقيامة مع السيِّد واهبًا الحياة الجديدة.][386]

ارتعبت الخليقة إذ رأت خالقها على الصليب معلقًا، [فالأرض تزلزلت والصخور تشققت. إلا أن إحساس اليهود لم يَنتَبْه تَغيير. حجاب الهيكل اِنشق ، ولم ينحل اتفاقهم! لم يَقْوَ حجاب الهيكل على رؤية الرب مصلوبًا. وكأنه يتحدث إلينا: مَن يريد أن يدخل إلى قدس الأقداس فليدخل بكل حرية. لأنه ما فائدة هذا الحاجز، طالما أن الذبيحة قُدمت خارجًا؟][387]

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. قَامَ كَثِيرٌ مِنْ الرَّاقِدِينَ أثناء موت المسيح:

«والْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ، وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ، وَخَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ، وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ، وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ" (مت52:27-53).

صرخ المسيح على الصليب صرخةً أرعبت الشيطان في الجحيم، فانفلتت قبضته واهتز سلطانه وتحررت أرواح القديسين من يده، فعاد بعضُها إلى أجسادها. وسمع التراب في القبور صوت ابن الإنسان، فتجمع وعاد جسدًا صحيحًا، وعادت له الروح، فقام إنسانًا صحيحًا. وهكذا تحققنا من إمكانية القيامة: «لاَ تَتَعَجَّبُوا.. فَإنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ فيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ» (يو29:5).

نعم لم تَأْتِ السَاعَة بعد، ولكننا رأينا كيف سمع بعض القديسين الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ يصرخ بصوت عظيم «فقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ.» أما أرواح باقي القديسين الذين ماتوا على رجاء، فنزلت روح المسيح الإنسانية المتحدة بلاهوته، إلى الجحيم من قِبَل الصليب. وقَيَّد الشيطان، كما قال الكتاب «لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ قَوِيٍّ وَيَنْهَبَ أَمْتِعَتَهُ، إنْ لَمْ يَرْبِطِ الْقَوِيَّ أَوَّلًا، وَحِينَئِذٍ يَنْهَبُ بَيْتَهُ.» (مر27:3) «فَإنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إلَى اللهِ، مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلكِنْ مُحْيىً فِي الروح. الذي فِيهِ أَيْضًا ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ.» (1بط18:3، 19). «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ.» (يو25:5).

نعم لهذه الآية معناها الروحي التأمُّلي، فيه يقصد الأموات بالخطايا، والذي يستمع منهم إلى صوت ابن الله ويرجع إليه ينال الحياة الأبدية. ولكن هذا المعنى لا يلغي المعنى الأَوَّلِي للآية.

تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ -زمن التجسد- حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ في القبور صَوْتَ ابْنِ اللهِ -وهو على الصليب يصرخ بصوت عظيم. وَالسَّامِعُونَ- وهم بعض الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ- يَحْيَوْنَ.

فلاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فقيامة الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ ودخولهم أورشليم أثناء قيامته. رمزٌ وإثباتٌ للقيامة العامة في مجيئه الثاني، ويحمل تأكيدًا لقيامتنا في يوم الرب العظيم. يقول القدّيس إمبروسيوس: [عندما أَسلم الروح، أظهر أنه مات لأجل قيامتنا. فالمسيح في موته أقام الموتى، ليُثبت سلطانه على الموت وأن لا سلطان للموت عليه. أما أنَّه مات، فهذا بإرادته وحده.][388]

أما قيامة القديسين، فلا نعرف هل هم من الأموات القُدامى، أم من الذين ماتوا حديثًا؟ بلا شك أنهم قريبو العهد من الأحياء؛ ليصير دخولهم أورشليم بعد قيامة المسيح ذا قيمة. حتى إذا شكَّ اليهود في قيامته تكون قيامة أقاربهم المعروفين لديهم إثباتًا وتأكيدًا لقيامة المسيح، بل وعلى [قُدرته على إقامة الموتى. وهذا ما يُبرر تسمية المسيح "بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ" (كولوسي18:1). وعبارة «وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ» تعني أن ليس كل الذين رأوهم عرفوا قيامتهم، بل القريبون منهم والذين كانوا يعرفونهم سابقًا لَما ظهروا فهموا قيامتهم من الموت.

ويعتقد القديس بطرس السدمنتي أيضًا أن القديسين الذين قاموا من القبور ودخلوا أورشليم أثناء قيامة الرب ذكرهم مار بولس الرسول في رسالته الأولى إلى كورنثوس عندما قال إن الرب «ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاق إلَى الآنَ. وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا» (1كو6:15). ][389]

 

عجيبٌ هو الرب:

· عجيبٌ أن يُصلَب بين لِصَّين فيُرسِل أحدهما إلى الفردوس.

· أن يُسلِّمه اليهود للصلْب حسَدًا وبُغضةً فيقول: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ.» (لو23: 34)

· أن يأتي الشيطان ليقبض على روحه، فيقبض هو عليه ويُقَيِّده ألف سنة.

· وفي موته «الأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ، وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ، وَالْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ، وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ» (متى27: 52،51)

· أن يُسْلِم الروحَ ومِن جَنبِه خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ.. (يوحنا19: 34). حتى أن «قَائِدُ الْمِئَةِ وَالَّذِينَ مَعَهُ خَافُوا جِدًّا وَقَالُوا: "حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ"!» (متى27: 54).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[374]القديس بطرس السدمنتي، القول الصحيح في آلام المسيح، تنقيح القمص يوحنا المقاري وشنوده عبدالسيد، سنة 1926م، ص385.

[375]القديس يعقوب السروجي، الميمر الثامن والأربعون، مطبوع بتصريح اللجنة البطريركية، طبعة أولى 1903م، ص516.

[376]القس أبو الفرج المشرقي، تفسير المشرقي: ج2، تنقيح يوسف منقريوس ناظر الإكليريكية، طبعة 1908م، ص479.

[377]د. القس بيشوي حلمي، من هو يسوع الناصري، طبعة أولى 2014م، ص 271.

[378]Die griechischen christlichen Schriftsteller der ersten Jahrhunderte, Berlin Akademie, Verlag 1897-, vol.38/2: p.274–75, 278.

[379]القديس كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل القديس لوقا، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد بطرس، مؤسسة القديس أنطونيوس المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، طبعة ثانية 2007م، ص749.

[380]Die griechischen christlichen Schriftsteller der ersten Jahrhunderte, Berlin Akademie, Verlag 1897-, vol.38/2: p. 286.

[381]القديس بطرس السدمنتي، القول الصحيح في آلام المسيح، تنقيح القمص يوحنا المقاري وشنوده عبد السيد، سنة 1926م، ص390.

[382]القديس كيرلُّس الأورشليمي، Catechism Lectures 33: 35 .

[383]القديس جيروم (إيرونيموس)، الرسالة 46.

[384]الخولاجي المقدس، القداس الإلهي الغريغوري: صلاة الصُلح، طبعة القمص عطاالله أرسانيوس المحرقي، مكتبة المحبة، طبعة أولى 1959م، ص450.

[385]القديس كِيرِلُّس الإسكندري، آلام المسيح وقيامته في إنجيل القديس يوحنا، ترجمة د. جورج حبيب بباوي، مؤسسة القديس أنطونيوس المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، طبعة أولى 1977م، ص86

[386]القمص تادرس يعقوب ملطي، تفسير الإنجيل بحسب القديس متى، طبعة أولى 1983م، ص554.

[387]القديس يوحنا ذهبي الفم، عظة على الجمعة العظيمة، ترجمة د. جورج عوض إبراهيم. عن اليونانية، PG, vol.49: p.393-398.

[388]القديس إمبروسيوس، الروح القدس، ترجمة موسى وهبة مينا، طبعة أولى سنة 1972م، ص 43.

[389]القديس بطرس السدمنتي، القول الصحيح في آلام المسيح، تنقيح القمص يوحنا المقاري وشنوده عبدالسيد، سنة 1926م، ص400.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-youhanna-fayez/trials-of-jesus/miracles.html

تقصير الرابط:
tak.la/5cab5bx