St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

550- لماذا لم يُحدّد الملاك للعذراء مريم ميعاد الحَبَل الإلهي (لو 1: 31)؟ وكيف يقول الملاك عن السيد المسيح أن الرب الإله يُعطيه كرسي داود أبيه (لو 1: 32) بينما رفض هو المُلك وهرب منه (يو 6: 15) ولم يجلس على كرسي الملك ساعة واحدة، وقال أن مملكتي ليست من هذا العالم (يو 18: 36)؟ وعندما سألت العذراء الملاك (لو 1: 34)، ولماذا لم يعاقب الملاك العذراء مريم عندما سألته (لو 1: 20) مثلما عاقب زكريا؟

 

س550: لماذا لم يُحدّد الملاك للعذراء مريم ميعاد الحَبَل الإلهي (لو 1: 31)؟ وكيف يقول الملاك عن السيد المسيح أن الرب الإله يُعطيه كرسي داود أبيه (لو 1: 32) بينما رفض هو المُلك وهرب منه (يو 6: 15) ولم يجلس على كرسي الملك ساعة واحدة، وقال أن مملكتي ليست من هذا العالم (يو 18: 36)؟ وعندما سألت العذراء الملاك (لو 1: 34)، ولماذا لم يعاقب الملاك العذراء مريم عندما سألته (لو 1: 20) مثلما عاقب زكريا؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- لماذا لم يحدّد الملاك للعذراء مريم ميعاد الحَبَل الإلهي (لو 1: 31)..؟ قال رئيس الملائكة الجليل جبرائيل للعذراء مريم: "وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ" (لو 1: 31) ولم يحدد ميعاد الحمل، والحقيقة أنه بمجرد أن قبلت العذراء البُشرى وقال: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ" (لو 1: 38) بدأ على الفور الحَبَل الإلهي، فمنذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها يتكوَّن الناسوت وجد اللاهوت فاتحًا أحضانه في استقباله، ولم تمر لحظة واحدة كان فيها الناسوت بدون اللاهوت. ويقول "مارديونيسيوس يعقوب ابن الصليبي" عن الملاك: "قد قال لها أيضًا تحبلين، لإعلان أن لا زمن يتخلل ما بين قبولها بالحَبَل والحَبَل نفسه. بل في فعل قبولها حبلت به" (76).

وعندما قال الملاك: "سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا" (لو 1: 31) كان هذا إشارة للناسوت، مثلما جاء في إشعياء النبي: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلدٌ" (إش 9: 6)، وقوله: "ابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى" (لو 1: 32) إشارة لللاهوت، مثلما جاء في إشعياء: "وَنُعْطَى ابْنًا" (إش 9: 6)، فالسيد المسيح لاهوت كامل متحدًا بناسوت كامل، بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير.

St-Takla.org Image: The Annunciation of Archangel Gabriel to Virgin Mary, Coptic fresco by Raouf Rezk-Allah and Hanan Awad, 2009- Various photos from the small church, at St. Mary Coptic Orthodox Church, Gianaclis, Alexandria, Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, May 31, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء مريم، فريسكو قبطي رسم رؤوف رءوف رزق الله و حنان عوض، 2009 م.- صور الكنيسة الصغيرة، بمبنى كنيسة السيدة مريم العذراء، جناكليس، الإسكندرية، مصر - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 31 مايو 2014 م.

St-Takla.org Image: The Annunciation of Archangel Gabriel to Virgin Mary, Coptic fresco by Raouf Rezk-Allah and Hanan Awad, 2009- Various photos from the small church, at St. Mary Coptic Orthodox Church, Gianaclis, Alexandria, Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, May 31, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء مريم، فريسكو قبطي رسم رؤوف رءوف رزق الله و حنان عوض، 2009 م.- صور الكنيسة الصغيرة، بمبنى كنيسة السيدة مريم العذراء، جناكليس، الإسكندرية، مصر - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 31 مايو 2014 م.

2- كيف أعطى الرب الإله يسوع المسيح كرسي داود أبيه، بينما هو رفض المُلك الأرضي..؟ قال الملاك للعذراء مريم: "وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيه" (لو 1: 32) كان داود هو الملك الأعظم في ملوك إسرائيل، وعظمته هذه تتضائل أمام عظمة ملكوت المسيح، لأن ملكوت المسيح ليس مُلكًا أرضيًا يبدأ في الزمن وينتهي في الزمن، إنما هو ملكوت أبدي: "مَلَكُوتُهُ مَلَكُوتٌ أَبَدِيٌّ وَسُلْطَانُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ" (دا 4: 3)، وأيضًا ملكوت المسيح ليس ملكوت أرضي إنما هو ملكوت روحي على القلوب، ولذلك قال: "هَا مَلَكُوتُ الله دَاخِلَكُمْ" (لو 17: 21)، فالسيد المسيح هو " رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ" (رؤ 17: 14). وقد اهتم القديس لوقا بملكوت المسيح، فإنجيل لوقا هو إنجيل المسيح الملك ولذلك:

أ– ذكر قول الملاك للعذراء: "وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ. وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ" (لو 1: 32، 33).

ب- في مَثَل الأمناء شبه نفسه بالملك الذي ينتقم من الأعداء (لو 19: 27).

جـ- في استقباله في أورشليم هتفوا له: "مُبَارَكٌ الْمَلِكُ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ" (لو 19: 38).

د– في العشاء الأخير قال لتلاميذه: "وَأَنَا أَجْعَلُ لَكُمْ كَمَا جَعَلَ لِي أَبِي مَلَكُوتًا. لِتَأْكُلُوا وَتَشْرَبُوا عَلَى مَائِدَتِي فِي مَلَكُوتِي" (لو 22: 29، 30).

هـ- عندما سأله بيلاطس: "أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟" (لو 23: 3) أجاب بالإيجاب ولم يُنكر.

و– كُتب على الصليب: "هذَا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ" (لو 23: 38).

ز– قال له اللص التائب: "اذْكُرْنِي يَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ" (لو 23: 42).

وجاء في "كتاب الهداية": "قد تم هذا القول بما أذهل العقول والألباب فإن المسيح استولى على أفئدة الورى، فإن مملكته روحية ليست من هذا العالم، فهو قد جلس على كرسي داود ونُسب إلى داود لأنه من ذريته... والمُراد بقولنا أن ملكوت المسيح هيَ روحية هو أن المسيح لا يملك بالسيف والقوات الحربية الجهنمية بل يملك بالمحبة والقداسة... أن ملكوت المسيح هيَ أعظم وأشرف وأسمى وأبهى من أية مملكة كانت سواء كانت مملكة داود أو مملكة سليمان... ولا يخفى أنه ليس لمملكة المسيح انتهاء ولا انقضاء فإنها راسخة ثابتة لا تتزعزع بخلاف ممالك العالم. فأين ممالك الفراعنة والقياصرة وأين ممالك الإسكندر... وأين الملوك الذي تجبروا وتكبروا ودخلوا البلاد وأذلوا العباد؟! قد انطمست معالمها وأصبحت أطلالًا... أما مملكة المسيح فلم تقو عليها قوات العالم... فالمسيح ملك روحي ومملكته أبدية دائمة راسخة زاهية زاهرة...

أما قوله أن المسيح لم يجلس على كرسي داود ساعة بل أهانوه وصلبوه قلنا أنه احتمل في جسده العار والصلب لخلاص كل من يؤمن به" (77).

وإن تساءل أحد: من أعطى الآخر المُلك، هل داود أعطى للسيد المسيح أو العكس..؟ فالحقيقة أن المُلك الحقيقي هو لربنا وإلهنا ومُخلصنا وملكنا كلنا ربنا يسوع المسيح ابن اللَّه الحي. أما مُلك داود الذي كان مُلكًا أرضيًا مؤقتًا فقد كان رمزًا لمُلك المسيح الروحي الأبدي، ويقول "مارديونيسيوس يعقوب ابن الصليبي": "اسأل النساطرة: من أعطى المُلك للآخر؟ فإن قالوا: داود أعطاه لسيدنا يسوع، فقل لهم: فكيف قال يعقوب في نبؤته أن له المُلك وإياه تنتظر الأمم (تك 49: 10) ومن المعلوم والثابت أنه لم ينتظر أحد داود. إذًا ربنا (يسوع) هو الذي أعطى المُلك والحُكم. فإن أجابوا بأن الملاك قال: سيعطيه الرب الإله المُلك، فأزح اعتراضهم بالقول: لم يكن المُلك ببعيد عنه، بل قد أعطاه اللَّه أي رد له ما هو له، وكان هو بعينه قد أسلمه داود. ومثل هذه التعبيرات ضرب من الكلام المجازي على حد ما جاء: أُنقص من روحي وأضع عليهم، أو أنه قد أعطى أنبياء من روحه وأيضًا يأخذ مما لي ويعطيكم. ومعلوم بالنقل والعقل، أن روح اللَّه لا يتجزأ، ولا ينقص ولا يزيد لكماله المُطلّق... وأيضًا لو كان داود أعطى السيد المسيح المُلك للزم من ذلك أن تكون مملكة المسيح أرضية لا روحية، لأن ما كان عند داود لم يتجاوز السلطة الأرضية. والحال أن سيدنا المسيح ما كان له خيل ولا أموال، ولا قتل ولا حارب الفلسطينيين والأدوميين كما فعل داود. فقل إذًا أن كرسي داود صورة ترمز سرًّا إلى ذاك الكرسي الذي قال أيضًا داود عينه فيه: أن كرسيك يا اللَّه إلى أبد الدهور" (78).

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

3- لماذا لم يُعاقب الملاك العذراء مريم عندما سألته (لو 1: 20) مثلما عاقب زكريا..؟ عندما سألت العذراء الملاك: "كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟" (لو 1: 34) لم يكن هذا بسبب ضعف الإيمان، ولكن بهدف الاستفسار عن أمرٍ ليس له مثيل في التاريخ البشري كله، وفوق مستوى العقل البشري، وضد نواميس الطبيعة. وحتى لو سلمنا بأن العذراء مريم تعرف نبوءة إشعياء النبي: "هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ" (إش 7: 14)، لكن السؤال يظل قائمًا، كيف يكون هذا؟ فتساؤلها شرعي، ولا ينُم عن عدم الإيمان. وعندما أوضح لها الملاك أن هذا الحَبَل الإلهي سيكون بقدرة روح اللَّه القدوس وهو لا يتعارض مع دوام بتوليتها، فقبلت البشارة على الفور وقالت: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لو 1: 38).

فالعذراء مريم لم ترتاب ولم تشك من جهة الوعد اللإلهي، فاستحقت التطويب بسبب إيمانها: "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (لو 1: 45) وربما عندما نطقت أليصابات بالعبارة السابقة كانت تقارن بين إيمان العذراء مريم القوي، وارتياب زوجها الكاهن. ثم كيف يجرؤ الملاك أن يُعاقب من ستصير أمًا للَّه، التي هيَ أجَل من الشاروبيم والسيرافيم وكل الطغمات السمائية؟!! يقول "دكتور وليم إدي": "لم يكن سؤال مريم كسؤال زكريا نتيجة الريب (ع 18)، فإنها لم تسأل علامة كما سأل (زكريا) لتكون برهانًا على صحة الوعد، لكنها فهمت أنها تلد ولدًا بلا زواج، فسألت بكل احترام كيف يجب أن تتوقع إتمام الوعد، ولعل غايتها من ذلك معرفة ما يجب أن تفعله لئلا تقصر بجهلها عن القيام بواجباتها. وهذا السؤال لا بد منه طبعًا من عذراء عفيفة لم تسمع بأنه وُلِد ولد بلا زواج، منذ خلق اللَّه آدم وحواء بقوته الإلهيَّة بلا واسطة... لم تطلب مريم علامة لكن الملاك أعطاها علامة من تلقاء نفسه وهيَ أن أليصابات حبلى (لو 1: 36). فأراد الملاك أنها لتحقّق صحة كلامه مما تقف عليه من أمر أليصابات"(79).

لقد كانت العذراء مُضطرة أن تطرح هذا التساؤل لتطمئن على نذر بتوليتها لأنها لا تنوي الزواج، لأنها نذرت بتوليتها للَّه، ولا تنوي التخلي عن هذه البتولية. ويقول "الأنبا غريغوريوس" أسقف عام الدراسات القبطية والبحث العلمي: "ويتضح هذا العزم على العفة الكاملة والبتولية التامة من قولها للملاك في دهشة مثيرة: "كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا". والمُلاحظ أن عبارة العذراء مريم وهيَ تنفي عنها معرفة رجل معرفة الأزواج لم تكن بالنسبة للماضي فقط، وإنما تدل على إعتزامها أن لا تعرف رجلًا في الحاضر والمستقبل أيضًا... ولو لم تكن مصممة على البتولية الدائمة لما كان ثمة معنى لاعتراضها، لا سيما أن البُشرى هيَ في صيغة المستقبل، إذ قال لها الملاك "سَتَحْبَلِينَ" مما يدل دلالة قاطعة على أن السيدة العذراء مريم التي عاشت منذ الثالثة من عمرها في جو الهيكل المُعطر بالبخور والصلوات قد تعلَّقت بالطهارة، وقد ملكت العفة على قلبها، فاعتزمت أن تعيش بتولًا دائمًا" (80).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(76) الدر الفريد في تفسير العهد الجديد، جـ 2 تفسير بشارتي لوقا ويوحنا، ص22.

(77) الهداية جـ 2 طبعة 1900م، ص277-279.

(78) الدر الفريد في تفسير العهد الجديد، جـ 2 تفسير بشارتي لوقا ويوحنا، ص23، 24.

(79) الكنز الجليل في تفسير الإنجيل جـ 2 - إنجيل مرقس ولوقا، ص148.

(80) الإنجيل بحسب القديس لوقا - ترجمة لجنة قداسة البابا كيرلس السادس، ص158.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/550.html

تقصير الرابط:
tak.la/7qqfmqy