St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

553- هل حضرت العذراء مريم ولادة يوحنا في بيت زكريا (لو 1: 59)، ومن أين علمت أليصابات أن الطفل المولود اسمه يوحنا (لو 1: 60) كما أسماه الملاك (لو 1: 13) رغم صمت زكريا؟ ولماذا بعد أن تحقق الوعد الإلهي بولادة يوحنا، ظل زكريا صامتًا حتى اليوم الثامن من ولادة يوحنا (لو 1: 64)؟ وهل تسبحة زكريا حملت روح النبوءة، وهل تحتسب من العهد القديم أم العهد الجديد؟

 

س553: هل حضرت العذراء مريم ولادة يوحنا في بيت زكريا (لو 1: 59)، ومن أين علمت أليصابات أن الطفل المولود اسمه يوحنا (لو 1: 60) كما أسماه الملاك (لو 1: 13) رغم صمت زكريا؟ ولماذا بعد أن تحقق الوعد الإلهي بولادة يوحنا، ظل زكريا صامتًا حتى اليوم الثامن من ولادة يوحنا (لو 1: 64)؟ وهل تسبحة زكريا حملت روح النبوءة، وهل تحتسب من العهد القديم أم العهد الجديد؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- هل حضرت العذراء مريم ولادة يوحنا في بيت زكريا (لو 1: 59)..؟ قال القديس لوقا كما أخبرته العذراء مريم: "فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا" (لو 1: 56) أي أن الجنين صار مكتمل النمو نحو تسعة أشهر. ثم قال القديس لوقا في الآية التالية مباشرة: "وَأَمَّا أَلِيصَابَاتُ فَتَمَّ زَمَانُهَا لِتَلِدَ فَوَلَدَتِ ابْنًا" (لو 1: 57). فواضح من تسلسل الأحداث أن القديسة العذراء مريم فضلت العودة إلى بيتها قبل ولادة يوحنا... لماذا؟ لأن ولادة يوحنا كان يمثل حدثًا هامًا مثيرًا ينتظره أهل البلدة من الأقرباء والجيران، الجميع عيونهم ترنو نحو بيت الكاهن المُسن الصامت الذي عاين رؤيا الهيكل وخاطبه ملاك الرب، ففضَّلت العذراء مريم الانسحاب في هدوء من ازدحام البيت المتوقع وضجيج الفرحة المنتظرة، فهوذا إسحق الجديد، ابن الوعد، على الأبواب... كان يوم ولادة طفل ذكر يوم فرح وبهجة يجتمع فيه الأقرباء والجيران والعازفون والمغنون ليعزفوا ويغنوا أجمل الألحان بولادة رجل في بني إسرائيل. أما إذا كانت المولودة بنتًا فإن العازفين ينصرفون بقيثارات صامتة، أما في ولادة يوحنا بن زكريا فالفرحة مضاعفة أضعافًا:

أولًا: لأن المولود ذكرًا ابن كاهن، فالمستقبل في انتظاره ليصير كاهنًا في هيكل رب الصباؤوت.

ثانيًا: لأنه ابن العقورية، أمه مُتقدمة في أيامها جدًا وأبوه شيخ مُسن فهو ابن الشيخوخة الصالحة.

ثالثًا: لأنه ابن الموعد الذي جاء إلى عالمنا بمعجزة إلهيَّة.

رابعًا: صاحب شهور الحمل به التسعة صمت أبيه تمامًا، فصار الكاهن الفاضل لا يسمع ولا ينطق ببنت شفاة، وعندما ولِد انفك لسان أبيه مباركًا اللَّه ومُسبحًا إياه.

خامسًا: حدث دهشة وخوف لدى الحاضرين: "قَائِلِينَ أَتَرَى مَاذَا يَكُونُ هذَا الصَّبِيُّ؟" (لو 1: 66).

 

St-Takla.org Image: Visitation: Icon of the visit of the Mother of God, the Virgin Mary, to the mother of Saint John the Baptist, Elizabeth, private collection, Egypt, 1731 A.M. (2014-2015), Coptic art, used with permission - by Gerges Samir (Orthodox Iconographer). صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة زيارة والدة الإله مريم العذراء لوالدة القديس يوحنا المعمدان أليصابات، مقتنيات خاصة، مصر، 1732 ش. (2015-2016 م.)، فن قبطي، موضوعة بإذن - رسم الفنان جرجس سمير: كاتب الأيقونة الأرثوذكسية

St-Takla.org Image: Visitation: Icon of the visit of the Mother of God, the Virgin Mary, to the mother of Saint John the Baptist, Elizabeth, private collection, Egypt, 1731 A.M. (2014-2015), Coptic art, used with permission - by Gerges Samir (Orthodox Iconographer).

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة زيارة والدة الإله مريم العذراء لوالدة القديس يوحنا المعمدان أليصابات، مقتنيات خاصة، مصر، 1732 ش. (2015-2016 م.)، فن قبطي، موضوعة بإذن - رسم الفنان جرجس سمير: كاتب الأيقونة الأرثوذكسية

2- من أين علمت أليصابات أن الطفل المولود اسمه يوحنا (لو 1: 60) كما أسماه الملاك (لو 1: 13) رغم صمت زكريا..؟ أنهى زكريا خدمته، وترك الهيكل في صمت رهيب ومضى إلى بيته، والتقى بزوجته أليصابات، التي فزعت واضطربت وظهرت علامات استفهام كثيرة. ولا بد أن الحديث سرى بين أليصابات وزوجها بطريقة ما، سواء كتابة أو بلغة الإشارة، أو بكلتيهما. وعلمت أليصابات أن نذير الرب القادم، ابن الموعد، اسمه يوحنا كما دعاه الملاك: "وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا" (لو 1: 13). وكان الأقرباء والجيران يشعرون أن هذا الطفل هو طفلهم جميعًا، لذلك لم يترددوا لحظة في تسميته بِاسم أبيه "زكريا" لعله يحاكي أبيه في بره وقداسة السيرة، وظنوا أن هذا الاسم سيكون مبعث السرور لوالديه، وكأن حياة زكريا الكاهن تتكرر من جيل إلى جيل، عبر الكاهن ابن الكاهن. ولكنهم فوجئوا باعتراض الأم إذ قالت بصراحة تامة: "لاَ بَلْ يُسَمَّى يُوحَنَّا. فَقَالُوا لَهَا لَيْسَ أَحَدٌ فِي عَشِيرَتِكِ تَسَمَّى بِهذَا الاسْمِ" (لو 1: 60، 61) أما هيَ فأصرّت على رأيها، وربما لم تفصح عن السبب، فأرادوا أن يحتكموا إلى الأب الوقور لعله يوافقهم الرأي، وإذ هو لا يسمعهم أومأوا إليه ليعبر عن رغبته، فطلب لوحًا وكتب بيده " اسْمُهُ يُوحَنَّا" (لو 1: 63) وقبل أن يعترض أحد منهم انفك لسانه وبارك اللَّه فأدرك الجميع أن هذه هيَ رغبة السماء، فقد أسماه الملاك قبل أن يكون له أي كيان في بطن أمه، وانتشرت رائحة طيب يوحنا وعبَّقت جبال اليهودية.

 

3- لماذا بعد أن تحقق الوعد الإلهي بولادة يوحنا، ظل زكريا صامتًا حتى اليوم الثامن من ولادة يوحنا (لو 1: 64)..؟ لأن الأهم من ولادة الطفل الجسدية هو انتسابه لشعب اللَّه، وهذا الانتساب والبنوة لإبراهيم لا تُحتسب بيوم الولادة الجسدية، فليس معنى أن الطفل وُلِد من أبوين يهوديين أنه صار من شعب اللَّه. ولكن الذي يهبه هذا الشرف هو إقامة العهد الإلهي الذي قطعه اللَّه مع إبراهيم: "وَقَالَ الله لإِبْرَاهِيم وَأَمَّا أَنْتَ فَتَحْفَظُ عَهْدِي... هذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ. فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ فَيَكُونُ عَلاَمَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. اِبْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ.." (تك 17: 9-14). ولذلك عندما كان يولد الطفل لا يُعطَى له اسمًا، وكأن لا وجود له، إنما يُعطَى اسمًا في اليوم الثامن، وهذا ما حدث مع يوحنا إذ أطلق عليه أبواه الاسم الذي حددته السماء، فقال أبوه: "اسْمُهُ يُوحَنَّا... وَفِي الْحَالِ انْفَتَحَ فَمُهُ وَلِسَانُهُ وَتَكَلَّمَ وَبَارَكَ الله" (لو 1: 63، 64).

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

 

4- هل تسبحة زكريا حملت روح النبوءة، وهل تُحتسب من العهد القديم أو الجديد..؟ نعم تُعد تسبحة زكريا الكاهن (لو 1: 68 – 79) تسبحة نبؤية، لأنها:

أ– حملت النبوءة عن افتقاد اللَّه لشعبه وإقامة عهده المقدَّس والقسم الذي حلف لإبراهيم بالخلاص العظيم.

ب- حملت النبوءة عن هذا الصبي نبي العلي الذي يتقدم أمام وجه الرب يعد له الطريق.

جـ- حملت النبوءة بالخلاص العظيم الذي سيتممه المسيا للجالسين في الظلمة وظلال الموت.

وتُعدُّ هذه النبوءات التي حوتها هذه التسبحة آخر نبوءات العهد القديم أو قل أول نبوءات العهد الجديد، فهيَ نبوءات ما بين العهدين. وقد بدأت هذه التسبحة بالبركة: "مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ" (لو 1: 68) ولذلك دُعيت بتسبحة البركة، وعبارات مباركة اللَّه وتمجيده وتسبيحه تكرَّرت عدة مرات في إنجيل لوقا (راجع لو 2: 13، 20، 28، 5: 25، 7: 16، 13: 13، 17: 15، 18: 43، 19: 37، 23: 47، 24: 53). وقد اصطبغت هذه التسبحة بفكر الفداء وخلاص إسرائيل، إيذانًا بحلول العصر المسياني، وختمت التسبحة بنشيد حمد، وحملت التسبحة تعبيرات قوية، مثل:

أ " فِدَاءً لِشَعْبِه" (لو 1: 68): فالفداء هو الموضوع الرئيسي في العهدين القديم والجديد، ومعنى الفداء أن تُحرّر إنسانًا من العبودية بدفع الثمن، فهيَ تشير إلى شراء العبد وتحريره أو عتق السجين، وهذا ما أعلنه السيد المسيح في بداية خدمته في مجمع الناصرة: "لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّة" (لو 4: 18).

ب- " قَرْنَ خَلاَصٍ" (لو 1: 69): الحيوانات التي تحمل قرون مثل الثيران والتيوس والأيائل والظبى حيوانات طاهرة (تث 14: 5)، والقرون علامة القوة، فقرون الحيوان رمز لقوته (تث 33: 17، زك 1: 18-21)، واستخدم "القرن" في الكتاب المقدَّس للتعبير عن قوة مذبح اللَّه الذي تُقدَم عليه الذبائح (خر 27: 2، 30: 10)، وكان الإنسان الهارب من الانتقام يتمسك بقرون المذبح فيجد ملاذًا آمنًا من الموت (1 مل 1: 50). وأيضًا "قرن الخلاص" يعبّر عن قوة الأبرار (1صم 2: 1، 2 صم 22: 21، مز 18: 2، 89: 17، 148: 14). و"قرن الخلاص" في هذه التسبحة يُعبر عن عمل المسيا الخلاصي، فالمسيا هو القوي الغالب، حتى لو إرتدى ثياب الضعف، فظهر في مظهر "الحمل" (يو 1: 29) ومظهر "النعجة الصامتة" (إش 53: 7) لكنه صنع بالضعف ما هو أعظم من القوة، فهو الأسد الخارج من سبط يهوذا (تك 49: 9، رؤ 5: 5) ويقول "الدكتور القس إبراهيم سعيد": "يتقدم زكريا فيصف شخصية المسيح الذي قام بهذا الفداء بأنه " قَرْنَ خَلاَصٍ " وهذه استعارة عبرية يهودية، يُراد بها القوة الظافرة. هذا إتمام لما وعد به اللَّه عن المسيح في (مز 132: 17): "هُنَاكَ أُنْبِتُ قَرْنًا لِدَاوُدَ. رَتَّبْتُ سِرَاجًا لِمَسِيحِي ". وفي (1صم 2: 10): "وَيُعْطِي عِزًّا لِمَلِكِهِ وَيَرْفَعُ قَرْنَ مَسِيحِهِ ".." (90).

جـ- " دَاوُدَ فَتَاهُ" (لو 1: 69): إشارة للمسيا ابن داود بحسب الجسد.

د " وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى" (لو 1: 76): يخاطب الكاهن ابنه ذو الثمانية أيام على أنه صبي ونبي، وكأنه يستعجل الأيام ليرى ابنه أعظم مواليد النساء وآخر أنبياء العهد القديم وقد وضع أقدامه على عتبة العهد الجديد، ولا عجب، فإذ وهو بعد جنين إمتلأ بالروح القدس وهو في بطن أمه، وارتكض بابتهاج ليسجد لربه الذي جاء لزيارته، فهو نبي العلي الذي يتقدم أمام وجه الرب، و"العلي" و "الرب" هو لربنا وإلهنا ومُخلصنا يسوع المسيح... كان يوحنا السراج المُنير الذي تقدم النور الحقيقي.

هـ- " بِأَحْشَاءِ رَحْمَةِ إِلهِنَا" (لو 1: 78): أي أعماق المراحم الإلهيَّة تجاه الإنسان الساقط البائس.

و " الْمُشْرَقُ مِنَ الْعَلاَءِ. لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ السَّلاَمِ" (لو 1: 78، 79): بعد أن غطت ظلمة الموت العالم، فتاهت الأمم في غياهب الوثنية، ولم يسلم منها اليهود، وباءت جهود الإنسان في الخلاص بالفشل، وإذ بكوكب الصبح السابق السابغ يلوح مُبشّرًا بشروق شمس البر والشفاء في أجنحتها.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(90) شرح بشارة لوقا، ص36.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/553.html

تقصير الرابط:
tak.la/3b3ff38