St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

561- كيف يكون يسوع هو اللَّه ويتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند اللَّه والناس (لو 2: 52) فهل كان اللَّه ينقصه الحكمة؟

 

س561: كيف يكون يسوع هو اللَّه ويتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند اللَّه والناس (لو 2: 52) فهل كان اللَّه ينقصه الحكمة؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: قال القديس لوقا عن الصبي يسوع: "وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ مُمْتَلِئًا حِكْمَةً وَكَانَتْ نِعْمَةُ الله عَلَيْهِ... وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ عِنْدَ الله وَالنَّاسِ" (لو 2: 40، 52) وهذه العبارات ومثلها تنطبق على ناسوت السيد المسيح دون لاهوته، فالسيد المسيح هو الإله المتجسد بالحقيقة، فهو إله كامل وإنسان كامل، هو كإله يقول " أَنَا الْحِكْمَةُ أَسْكُنُ الذَّكَاءَ" (أم 8: 12) وهو كإنسان كان " يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ"، وهذا السر يفوق الإدراك البشري، ولذلك دُعي "سر التجسد الإلهي" من جهة لاهوته هو كامل بعد التجسد مثلما كان قبل التجسد، فلاهوته كمال مُطلّق لم يتغير ولن يتغير، أما من جهة الناسوت فكان ينمو عقليًا وجسديًا وروحيًا، وعبّر القديس لوقا عن النمو العقلي بقوله " يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ"، والنمو الجسدي عبّر عنه بـ"الْقَامَةِ"، والنمو الروحي عبّر عنه: "النِّعْمَةِ عِنْدَ الله وَالنَّاسِ".. ولا عجب أن نجسد نفس العبارة التي تُعبر عن نمو يسوع هيَ هيَ نفس العبارة التي اختارها القديس لوقا لتُعبر عن يوحنا المعمدان، فقال عن يوحنا: "أَمَّا الصَّبِيُّ فَكَانَ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ" (لو 1: 80). وقال عن يسوع: "وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ مُمْتَلِئًا حِكْمَةً وَكَانَتْ نِعْمَةُ الله عَلَيْهِ" (لو 2: 40).. حقًا أن شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، ولذلك خضع لقوانين النمو الطبيعي، فالسيد المسيح إذ أخلى ذاته وأخفى مجده واتخذ صورة العبد ارتضى أن يعبر بجميع مراحل النمو البشري وكافة أطوال الحياة من الطفولة للصبوة للشباب للرجولة، وكثيرًا ما دعى نفسه " ابْنَ الإِنْسَانِ".. في طفولته كان يُفكر كطفل، ويُدرك بمدارك الطفل. لم يُظهِر شيئًا خارقًا للعادة سواء في الفكر أو في العمل، وهكذا في بقية المراحل وفي كل مرحلة كان يمثل مرحلة الكمال لهذه المرحلة، ولم يرتبط بأي نوع من الجهالة بقلبه (أم 22: 15) ولم تتداعبه أو تتعبه الشهوات الشبابية التي طالب بولس الرسول بتجنبها والابتعاد عنها (2 تي 2: 22) فلم يكن لها سلطان عليه، فهو القدوس الذي بلا خطية وحده، وأيضًا معرفته بهويته وأصله الإلهي لم يدفعه في طريق الكبرياء، ولم يُنقص من طاعته لأبويه. لقد كان مُحبًا للجميع ومحبوبًا من جميع الأبرار.

لقد جاء أقنوم الكلمة واتحد بطبيعتنا بكل خصائصها. والبعض يتساءل: لماذا لم يتجسد أقنوم الكلمة في شكل رجل ناضج في الثلاثين من عمره، لا حاجة له للطعام ولا للشراب ولا للنوم... والحقيقة لو حدث هذا لصار يسوع شخصًا غريبًا عن طبيعتنا، التي من أهم خصائصها النمو والتقدم، وما كان يمثل رأس جنسنا قط، ولنظر إليه الناس كأنه قادم من كوكب آخر فهو غريب عنا لأنه لم يمر بأطوار حياتنا ولا يأكل ولا يشرب، ولا ينام مثلنا، فهو ليس بإنسان مثلنا، فلا يصلح أن يُفدي الإنسان. لقد خضع " ابْنَ الإِنْسَانِ" للمشيئة الإلهيَّة فعاش حياة طبيعية مثل أي إنسان، فلم يصنع معجزات في الثلاثين سنة الأولى ولا صنع أعمالًا عجيبة خارقة للعادة. ويقول "الدكتور القس إبراهيم سعيد": "ربما كانت أكبر معجزة عملها المسيح وقتئذ هيَ أنه ضبط نفسه فلم يعمل أية معجزة، فهو لم يتعدَ الزمن المُرتَّب من الآب، ولم يسبق دقات ساعة الأزل، ولكنه بقى كل هذه السنين الطوال حتى بلغ الثلاثين، لا يعمل معجزة واحدة، ولا يدَّعي صنع المعجزات، لأن القوة التي يستخدمها في الكف عن صنع المعجزات، لا تقل عن القوة التي يستخدمها في المعجزات. فهو قادر في صمته، قادر في عمله وكلامه" (116).

St-Takla.org Image: Christian family (logo of The Child's World magazine): "And the child grew" (Luke 2:40) صورة في موقع الأنبا تكلا: الأسرة المسيحية (شعار مجلة دنيا الطفل): "وكان الصبي ينمو" (لوقا 2: 40)

St-Takla.org Image: Christian family (logo of The Child's World magazine): "And the child grew" (Luke 2:40).

صورة في موقع الأنبا تكلا: الأسرة المسيحية (شعار مجلة دنيا الطفل): "وكان الصبي ينمو" (لوقا 2: 40).

ويقول "القديس كيرلس الكبير": "يشير القول "يتقدم الصبي في الحكمة والقامة والنعمة" إلى طبيعته البشرية، ولذلك فأني أرجو أن تفكرون في عمق نظرية الفداء، فقد تحمل اللَّه الكلمة أن يُولَد إنسانًا، مع أنه بطبيعته الإلهيَّة لا بداية له ولا يحده زمان، فهو الإله الكامل الذي قَبِل أن يخضع لقانون النمو الجسماني، ويتقدم في الحكمة وهو إله الحكمة... ولكن لا تتألموا إذا سُئلت: "كيف يتقدم اللَّه وينمو؟ وكيف يمكن للَّه الذي يهب الملائكة والناس نعمة يُمنح حكمة ونعمة؟ أرجو أن تفكروا في العبارات التي وردت في الإنجيل توضيحًا لهذا السر العجيب، فإن الإنجيلي الحكيم لم يُشِر بآيتيه السابقتين إلى الكلمة وهيَ الطبيعة الإلهيَّة، بل أشار من غير لبس أو غموض إلى المسيح، وقد وُلِد إنسانًا من امرأة، واتخذ صورتنا، وصار صبيًا بشريًّا، وفي هذه الحالة يقول الإنجيلي عنه "كَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ عِنْدَ الله وَالنَّاسِ". فترون أن جسم الصبي نما طبقًا للنواميس الطبيعية، وعقله تقدم متمشيًا مع النمو الجسماني. نما الجسم في القامة، وتقدمت النفس في الحكمة. أما اللَّه فبطبيعته الإلهيَّة كامل لأنه مصدر الحكمة والكمال" (117).

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

كما يقول "القديس كيرلس الكبير" أيضًا: "وهكذا أيضًا قيل عنه أنه كان يتقدم في الحكمة، لا كمن ينال مؤونات جديدة من الحكمة -لأن اللَّه معروف بأنه كامل تمامًا في كل شيء ولا يمكن بالمرة أن يكون ناقصًا في أي صفة مناسبة للاهوت- بل ازدياده في الحكمة هيَ بسبب أن اللَّه الكلمة أظهر حكمته بالتدريج بما يناسب مرحلة العمر التي يبلغها الجسد. إذًا فالجسد يتقدم في القامة والنفس في الحكمة، إذ أن كلمة اللَّه كامل تمامًا. ولذلك فإنه لسبب مناسب ربط بين التقدم في الحكمة ونمو القامة الجسدية، بسبب أن الطبيعة الإلهيَّة أعلنت حكمتها الخاصة بما يتناسب مع قامة النمو الجسدي" (118).

ويقول "القديس غريغوريوس أسقف نيصص": "كلمات الإنجيل تصف بوضوح ربنا أنه ينمو بخصوص إنسانيته" (119).

ويقول "العلامة أوريجانوس": "أخلى ابن اللَّه ذاته، وبنفس القدرة إمتلأ حكمة وكانت نعمة اللَّه عليه... كان عجيبًا في كل شيء، عجيبًا في صبوته فامتلأ بكل حكمة اللَّه" (120).

كما يقول "العلامة أوريجانوس" أيضًا: "كان يسوع ينمو في الحكمة، وكان يظهر أكثر حكمة من سنة إلى أخرى" (121).

ويقول "الأنبا غريغوريوس" أسقف عام الدراسات القبطية والبحث العلمي: "والكلام هنا عن نمو السيد المسيح في القامة ثم في النعمة والحكمة إنما ينصرف إلى ناسوته الذي يتألف من جسد ومن نفس عاقلة مدركة، ولا ينصرف إلى لاهوته الذي لا يقبل نموًا. لأنه إذا كان الإله قد اتخذ له ناسوتًا كاملًا وحقيقيًا، فكان لا بد لهذا الناسوت أو الإنسانية من أن يمر بكل مراحل النمو التي يمر بها كل إنسان إبتداءً من الحبل إلى ميلاده، إلى نموه قليلًا قليلًا كما ينمو كل طفل آخر نموًا في قامة جسده، ونموًا في فكره الإنساني كما ينمو فكر كل طفل آخر، المعارف التي يتلقاها في الأسرة وفي المدرسة وفي الحياة، بيد أن هذا النمو في الناسوت دون اللاهوت لا يعني انفصالًا بين الناسوت واللاهوت، فالاتحاد قائم بينهما، اتحادًا تامًا وكاملًا بغبر اختلاط ولا امتزاج أو تغيير"(122).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(116) شرح بشارة لوقا، ص63.

(117) أورده القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب لوقا، ص72.

(118) ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد - تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس الإسكندري، ص52.

(119) أورده القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب لوقا، ص72.

(120) المرجع السابق، ص73.

(121) المرجع السابق، ص73.

(122) الإنجيل حسب القديس لوقا - ترجمة لجنة قداسة البابا كيرلس السادس، ص180.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/561.html

تقصير الرابط:
tak.la/va6ndxp