St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

609- هل صداقات مال الظلم تمنح الإنسان الملكوت (لو 16: 9)؟ وهل هناك سلطة للأصدقاء لكي يقبلوننا في الحياة الأبدية أو يرفضوننا منها (لو 16: 9)؟ وماذا قصد السيد المسيح من قول: "فَمَنْ يَأْتَمِنُكُمْ عَلَى الْحَقِّ. وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي مَا هُوَ لِلْغَيْر" (لو 16: 11، 12)؟ وهل العبارة الأصلية: "فَمَنْ يُعْطِيكُمْ مَا هُوَ لَكُمْ" (لو 16: 12) أم: "فمن يعطيكم ما هو لنا" كما جاءت في بعض المخطوطات؟ ولماذا جعل السيد المسيح مضادة بين اللَّه والمال (لو 16: 13) مع أنه لا أحد يستطيع أن يستغني عن المال؟

 

س609: هل صداقات مال الظلم تمنح الإنسان الملكوت (لو 16: 9)؟ وهل هناك سلطة للأصدقاء لكي يقبلوننا في الحياة الأبدية أو يرفضوننا منها (لو 16: 9)؟ وماذا قصد السيد المسيح من قول: "فَمَنْ يَأْتَمِنُكُمْ عَلَى الْحَقِّ. وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي مَا هُوَ لِلْغَيْر" (لو 16: 11، 12)؟ وهل العبارة الأصلية: "فَمَنْ يُعْطِيكُمْ مَا هُوَ لَكُمْ" (لو 16: 12) أم: "فمن يعطيكم ما هو لنا" كما جاءت في بعض المخطوطات؟ ولماذا جعل السيد المسيح مضادة بين اللَّه والمال (لو 16: 13) مع أنه لا أحد يستطيع أن يستغني عن المال؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- هل صداقات مال الظلم تمنح الإنسان الملكوت (لو 16: 9)..؟ قال السيد المسيح: "وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ" (لو 16: 9)، وبالطبع ليس المقصود أن الصداقات هيَ التي تمنح الإنسان ميراث الحياة الأبدية، فدخول الملكوت أولًا بالإيمان بعمل المسيح الخلاصي، والإنضمام للكنيسة عن طريق المعمودية، وحياة القداسة والتوبة المستمرة، والأعمال الصالحة بحسب طاقة الإنسان من صلوات وأصوام وصدقات. ويقول "دكتور وليم إدي": "لكن يجب أن لا يستنتج من ذلك أن الخطاة يستطيعون الحصول على المغفرة والسماح بواسطة صدقاتهم، فخطاب المسيح كان لتلاميذه الذين هم أبناء النور وورثة السماء بإيمانهم" (356).

 

2- ما هيَ سلطة الأصدقاء لكي يقبلوننا في الحياة الأبدية، أو يرفضوننا منها (لو 16: 9)..؟ يقول "القس أنسطاسي شفيق": "ولكن كيف يمكن لأمثال هؤلاء إذا فرضنا أنهم سبقونا إلى المظال الأبدية أن يقبلونا، فأقول أن القبول هنا بمعنى الترحيب والسرور بدخولنا، ولا يعني قبولنا رسميًا كأنهم أصحاب المظال الأبدية، يفتحون أبوابها لنا إكرامًا للصداقة التي نالوها من أيدينا...

والوحي أيضًا في عدة أماكن يشير إلى الحقيقة المُفرحة أن النسبة المتبادلة بين الخادم والمخدوم تبقى معروفة بينهما في المستقبل كما هيَ الآن لأن جوهرها المحبة، والمحبة لا تسقط أبدًا (1 كو 13: 8). وكأن الرسول ينتظر أن يواجه عند مجيء الرب الذين خدمهم على الأرض، وتكون النسبة بينهم معروفة وسببًا للفرح المتبادل (1 تس 2: 19)، وليس ذلك فقط بل أقول أيضًا أننا لا نعرف الآن إلاَّ مقدارًا جزئيًا من ثمر خدمتنا، فإننا نساعد كثيرين بطرق متنوعة ولا يوجد معرفة شخصية بينهم وبيننا ولكن كل شيء سيظهر فيما بعد أمام المسيح الذي هو مصدر كل موهبة صالحة لزيادة أفراح مفدييه" (357).

St-Takla.org Image: Parable of the dishonest steward: The dishonest steward adjusts his accounts: (Luke 16) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: مثل وكيل الظلم: وكيل الظلم يقوم بتعديل الصكوك: (لوقا 16) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

St-Takla.org Image: Parable of the dishonest steward: The dishonest steward adjusts his accounts: (Luke 16) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: مثل وكيل الظلم: وكيل الظلم يقوم بتعديل الصكوك: (لوقا 16) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

3- ماذا قصد السيد المسيح من قول: "فَمَنْ يَأْتَمِنُكُمْ عَلَى الْحَقِّ. وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي مَا هُوَ لِلْغَيْر" (لو 16: 11، 12)..؟ قصد السيد المسيح بقوله " فَمَنْ يَأْتَمِنُكُمْ عَلَى الْحَقِّ" أي من يأتمنكم على ميراثكم السمائي، ميراث القديسين المُعد لهم منذ تأسيس العالم. قال عنه بولس الرسول: "الرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ لَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ الَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلًا فِي كَلِمَةِ حَقِّ الإِنْجِيلِ" (كو 1: 5) وقال عنه القديس بطرس: "لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُم" (1 بط 1: 4). أما المقصود بـ" فِي مَا هُوَ لِلْغَيْر" أي المال الذي بين أيدينا، ففي الحقيقة أننا لا نملكه إلاَّ في هذه الحياة القصيرة جدًا، وعندما نرحل نتركه ميراثًا للآخرين، فنستطيع أن نقول أنه لنا فقط حق الانتفاع بهذا المال الذي ائتمنا اللَّه عليه كوزنة لكي نتاجر بها ونربح، ومن كان أمينًا في مال هذا العالم الذي ليس هو لنا بل للغير، فإن اللَّه يهبه الميراث السمائي الأبدي الذي لا ينزع منه قط.

ويقول "القديس كيرلس الكبير": "وأيضًا نحن نقول أن "ما هو للغير" هو الغنى الذي نمتلكه، لأننا لم نُولَد أغنياء بل على العكس، فقد وُلِدنا عراه، ويمكننا أن نؤكد هذا عن حق بكلمات الكتاب: "لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ الْعَالَمَ بِشَيْءٍ وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ" (1 تي 6: 7) لأن أيوب الصبور قد قال شيئًا من هذا القبيل: "عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي وَعُرْيَانًا أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ" (أي 1: 21). لذلك، فلا يملك أي إنسان بمقتضى الطبيعة أن يكون غنيًا، وأن يحيا في غنى وخير، بل أن الغنى هو شيء يضاف عليه من خارجه، فهو مجرد إمكانية (أي يمكن أن يوجد أو لا يوجد). فلو باد الغنىَ وضاع فهذا أمر لا يخل بأي حال بخصائص الطبيعة البشرية، فإنه ليس بسبب الغنى نكون كائنات عاقلة وماهرين في كل عمل صالح... لذلك كما قلت فإن "مَا هُوَ لِلْغَيْر" لا يدخل ضمن خصائص طبيعتنا، بل على العكس فمن الواضح أن الغنى إنما هو يضاف إلينا من الخارج. ولكن ما هو لنا، وخاص بالطبيعة البشرية هو أن نكون مؤهلين لكل عمل صالح، كما يكتب الطوباوي بولس: "مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ قَدْ سَبَقَ الله فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا" (أف 2: 10).

لذلك فعندما يكون البعض غير أمناء "فيما هو للغير" أي في ذلك الأشياء التي هيَ مضافة إليهم من الخارج، فكيف سينالون ما هو لهم؟ كيف سيصيرون شركاء الخيرات التي يعطيها اللَّه والتي تزين نفس الإنسان وتطبع فيها جمالًا إلهيًّا، يتشكل فيها روحيًا بواسطة البر والقداسة، وبتلك الأعمال المُستقيمة التي تُعمل في مخافة اللَّه. لذلك ليت من يمتلكون منا ثروة أرضية يفتحون قلوبهم لأولئك الذين هم في احتياج وعوز" (358).

4- هل العبارة الأصلية: "فَمَنْ يُعْطِيكُمْ مَا هُوَ لَكُمْ" (لو 16: 12) أم: "فمن يعطيكم ما هو لنا" كما جاءت في بعض المخطوطات..؟ الضميرين "لكم" و "لنا" في اليونانية متقاربين جدًا، فهذا الاختلاف هو من القراءات المتنوعة التي ترجع إلى بعض أخطاء في النساخة، ويمكن أخذ العبارة على المحملين، فإن أخذنا المعنى "لكم" فهيَ تعود إلى الميراث الأبدي الذي يخصنا، وإن أخذنا العبارة على محمل "لنا" فهيَ تعود إلى الثالوث القدوس. ويقول "بوب إتلي": "مَا هُوَ لَكُمْ" هناك تغاير في المخطوطات فيما يتعلق بالضمير هنا. أن النص في (UBS) يُعطيه نسبة أرجحية عالية للضمير المخاطب "أنتم" (humeteron) (مؤكد، انظر المخطوطات P.75، I، A، D، W، الفولجاتا والترجمات السريانية والقبطية والأرمنية).

ولكن نصوص إلكترونية يونانية حديثة أخرى، مثل طبعة Nestles الحادية والعشرين، تحوي ضمير المتكلم "نحن".. [أي أن النص "ما هو لنا"] أي ما هو للآب، وما هو للابن، انظر المخطوطتين L, B). التأثير على المعنى ليست ذا قيمة كبيرة، ولكنه يُعطي الفرصة لمناقشة كيف أن العهد الجديد كان يُنسخ ويبين سبب وجود اختلافات جزئية طفيفة مثل هذه التي تحدث في الأناجيل. غالبًا ما كان شخص يقرأ نصًا يونانيًا (أثناء النساخة) بينما يكون عدة آخرون يُدونون ما يُقرأ. ولذلك فإن الأصوات التي تبدو متشابهة كان غالبًا ما يتم الخلط بينهما. لفظ هذين الضميرين كان متشابهًا جدًا، ومن هنا يأتي الاختلاف الطفيف" (359).

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

5- لماذا جعل السيد المسيح مضادة بين الله والمال (لو 16: 13) مع أنه لا أحد يستطيع أن يستغني عن المال..؟ كان كل من الصدوقيين بما فيهم رؤساء الكهنة والفريسيين المفرزين للخدمة مُحبين للمال، ويعتقدون مثل بقية اليهود أن اللَّه يكافئ الإنسان الصالح بالغنى ووفرة المال وكثرة البنين والعمر الطويل (تث 28: 1-14) والغنى مؤشر على رضاء اللَّه على صاحبه، والفقر مؤشر على غضب اللَّه، ولذلك عندما قال السيد المسيح: "لاَ يَقْدِرُ خَادِمٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا الله وَالْمَالَ" (لو 16: 13).. فماذا كان رد فعل الفريسيين المُحبين للمال؟ " وَكَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ أَيْضًا يَسْمَعُونَ هذَا كُلَّهُ وَهُمْ مُحِبُّونَ لِلْمَالِ، فَاسْتَهْزَأُوا بِهِ" (لو 16: 14). مع أن السيد المسيح لم يُنهي عن استخدام المال ولم يقف ضد الغنى، فهناك أغنياء كثيرون عاشوا حياة القداسة مثل إبراهيم وأيوب، وداود وسليمان، والإمبراطور قسطنطين والملكة هيلانة، ومكسيموس ودوماديوس، والمعلم إبراهيم الجوهري وغيرهم الكثيرين ممن أكرموا اسم اللَّه بمالهم، ولكن ما نهى عنه السيد المسيح هو عبودية المال، والانهماك بالغنى، وتسييد وتأليه وعبادة المادة، فالمال سيد قاسي يستعبد مُحبيه بلا رحمة، وبينما يطالبنا اللَّه بالبذل واعطاء المحتاجين، فإن المال يغرق صاحبه ويغويه لكيما يكتنز منه أكثر فأكثر، وشعاره دائمًا هل من مزيد؟ وكلما ازداد الإنسان غنى كلما ازداد بخلًا وجشعًا، وبينما يدعونا اللَّه للانفتاح والشعور بالآخرين والتعاطف معهم ومساعدتهم ومساندتهم، فإن المال يدعو صاحبه للأنانية.

ويقول "القديس كيرلس الكبير": "إنه شيء مستحيل لشخص واحد بعينه أن يقسّم ذاته بين متناقضات ويمكنه مع ذلك أن يحيا حياة بلا لوم... لأنه لو كان لإنسان أن يكون صادقًا لسيدين لهما مشيئتان مُختلفتان ومتضادتان، وفكر كل واحد منهما غير قابل للتصالح مع الآخر، فكيف يُمكنه أن يرضيهما كليهما؟ لأنه بسبب كونه مُنقسمًا في سعيه أن يعمل ما يوافق عليه كل منهما، يكون هو نفسه في تعارض مع مشيئتهما معًا، وهكذا فإن نفس الشخص يلزمه حتمًا أن يُظهِر أنه شرير وصالح (في وقت واحد). لذلك يقول (الرب) أنه لو قرَّر أن يكون أمينًا للواحد فإنه سيبغض الآخر، وهكذا سيعتبره طبعًا كلا شيء، لذلك يستحيل أن يخدم اللَّه والمال. فمال الظُلمة... هو شيء يُسلّم للشهوانية، وهو معرَّض لكل لوم، ويولّد الافتخار ومحبة اللذة، ويجعل الناس غلاظ الرقبة وأصدقاء للأشرار ومتكبرين، نعم، أية رذيلة دنيئة لا يسببها في أولئك الذين يمتلكونه..؟" (360).

(راجع أيضًا مدارس النقد - عهد جديد جـ 4 س 285).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(356) الكنز الجليل في تفسير الإنجيل جـ 2 - إنجيلي مرقس ولوقا، ص300.

(357) الفداء في إنجيل لوقا، ص642، 643.

(358) ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد - تفسير إنجيل لوقا، ص531، 532.

(359) لوقا المؤرخ: إنجيل لوقا، ص341.

(360) ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد - تفسير إنجيل لوقا، ص532، 533.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/609.html

تقصير الرابط:
tak.la/kkj6nnr