St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   ten-commandments-6-you-shall-not-murder
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الوصايا العشر (الكتاب الثالث): لا تقتل - البابا شنوده الثالث

32- الانتحار التدريجي أو غير المباشر

 

* ما أكثر الوسائل التي يقتل بها الناس أنفسهم، دون أن أن تأخذ في نظرهم اسم الانتحار أو صورته. ونذكر من بينهما عدم المبالاة بالقواعد الصحية...

لا داعي أن ندخل كثيرًا في تفاصيل هذه النقطة، إنما ينبغي أن نقرر أولًا أن الجسد وزنة معطاة لنا من الله لمي نتاجر بها ونربح، ونحفظها سليمة على قدر إمكاننا لكي تقوم بالعمل الروحي المطلوب منها.

إن المسيحية لا تدعو إلي قتل الجسد، وإنما إلي قتل شهوات الجسد التي تعارض محبة الله. كل نواحي الإماتة التي تتكلم عنها المسيحية، من زهد ونسك وصلب للأهواء، هي إماتة للشهوات الجسدية وليس للجسد نفسه.

فعندما يقول الرسول: "من أجلك نُمَات كل النهار" (رو 8: 26) أو "الموت يعمل فينا" (2 كو 4: 12). أو عندما يقول الرب عنا: إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت... لا يمكن أن تاتي بثمر (يو 12: 24)، أو عندما نصلي في قطع الساعة التاسعة ونقول: "أمت حواسنا الجسدانية أيها المسيح إلهنا ونجنا"، لا نقصد مطلقًا موت الجسد، إنما موت شهواته.

وفي قولنا: "أمت حواسنا الجسدانية" لا نعني الموت الحرفي للحواس، فلا نسمع ولا نبصر ولا نحس، كلا، وإنما معناها أن هذه الحواس لا تتجه إتجاهًا جسديًا ضد الروح...

إن الرسول إذ يقول: "أقمع جسدي وأستعبده" (2 كو 9: 27) أي أخضعه للروح، إنما يقول أيضًا إن الإنسان: "بقيت جسده ويربيه" (أف 5: 29). ومن أجل هذا الجسد وسلامته، أعطانا الرب شريعة السبت، لكي تستريح فيه أجسادنا، وفي راحتها تتفرغ لعمل الرب... وقد إهتم سيدنا له المجد بأجساد الناس وكان "يشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب".

St-Takla.org         Image: Feeling of emptiness, loneliness صورة: الشعور بالفراغ، الفراغ، التخلي، الوحدة

St-Takla.org Image: Feeling of emptiness, loneliness.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الشعور بالفراغ، الفراغ، التخلي، الوحدة.

إن الله يريد لنا أجسادًا سليمة نستطيع بها أن نخدمه. فالرسل القديسون عندما كان جسدهم ضعيفًا، لم يستطيعوا أن يسهروا مع الرب ساعة واحدة (مت 26: 40). الجسد السليم يمكنه أن يقوي على الوقوف في الصلاة. والسجود أمام الله، والسهر في العبادة، والسير في الخدمة، الثبات في الصوم. ويستطيع أن يقوم بأمانة وكفاءة بكل واجباته الروحية والعالمية. كذلك فإن ضعف الجسد ومرضه، كثيرًا ما يعكر صفاء الذهن...

لذلك -من أجل خدمة الرب- ينبغي أن نحافظ على وزنة الجسد، لكي نمجد الله في أجسادنا التي هي للرب كما قال الرسول: (1 كو 6: 20). وهكذا نقتل الجسد بالإهمال.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

أليس أمرًا مؤسفًا حقًا أن يتلف الإنسان جسده، ويقتله قتلًا تدريجيًا غير ملحوظ، بمجرد طريقته الخاطئة في الأكل مثلًا، التي تفسد صحته وتلقيه في أمراض تهده هدًا وتعجل بنهايته؟!

إن الناس يتلفون صحتهم بالطريقة المعقدة التي يطهون بها أطعمتهم وبأصناف الحلوى التي يأكلونها، والتي ترهق الجسد إرهاقًا حتى يتم هضمها. الناس قديمًا لم يكونوا هكذا، لذلك كانت صحتهم أقوي. وكذلك الرهبان الذين يأكلون الطعام بسيطًا غير مركب وغير معقد...

كذلك يرهق الجسد من الأكل بسرعة، ويرهقه الأكل بغير نظام، وفي غير مواعيد ثابتة، وخاصة الأكل بين الواجبات. وهكذا يصبح داخل الجسم طعام قارب على الهضم، وآخر نصف مهضوم، وآخر ربع مهضوم، وآخر جديد لم يبدأ هضمه. وتصبح المعدة في غاية الإرتباك تشكو من نهم الإنسان وجشعه وتختمه...

ومما يتلف الجسد أيضًا الإكثار من أكل الدهون. إنها متعبة جدًا في هضمها... وكثير من الناس -للأسف الشديد- يظنون أنهم كلما يأكلون الدهون يسمنون وتتحسن صحتهم، والعكس صحيح. فجميع رجال الطب وعلماء التغذية يقولون إن اللحم الأحمر اخف وأسهل هضمًا من اللحم المدهن. والإسراف في أكل الدهون يتعب الكبد والمرارة والمعدة، ويلقي على الإنسان ثقلًا من الشحم ينوء بحمله، وقد يسبب له إرتفاعًا في ضغط الدم.

* ومن العوامل القاتلة للجسد أيضًا عدم العفة، والإسراف في الشهوات. فإن طريق النجاسة يتلف الجسد، وكثيرًا ما يصيبه بأمراض خطيرة.

* ومن الطرق التي يقتل بها الناس أجسادهم -عن غير قصد- الإنهاك الشديد وعدم أعطاء الجسد ما يلزمه من راحة.

إن الله الذي يعرف طبيعة جسدنا واحتياجاته، مقدار طاقته واحتماله، أعطانا يومًا للراحة في كل أسبوع. وقال إن: "السبت إنما جعل لأجل الإنسان" (مز 2: 27). فإذا حدث أنك أرهقت جسدك أزيد من طاقته على الاحتمال، وتحديت طبيعته الضعيفة، فأنت ولا شك تقتله قتلًا جزئيًا... وكثير من الناس ماتوا فجأة، أو أصيبوا بذبحات صدرية. نتيجة لإرهاق أشد من احتمالهم.

أعرف زميلًا لي مرض بالسرطان سنة 1948، واشتد به الألم جدًا حتى ما كان يستطيع أن ينام مطلقًا على الرغم من كل العناية التي كانت تبذل من أجله، فقد جاء وقت فقدت فيه الحقن المخدرة تأثيرها عليه وأصبحت لا تستطيع أن تجعله ينام. وقد زرته في ذلك الحين في القصر العيني وسألت عنه الطبيب المختص وكان من زملائي في مدارس الأحد. فقال لي: "لم تبق سوى أيام معدودات ويموت. إن لم يمت عن طريق السرطان، فسيموت بسبب الـexhaution أي الإنهاك الشديد لعدم نومه، لأن قلبه سوف لا يحتمل عدم النوم والحرمان من الراحة كل هذه المدة..". وتم ذلك فعلًا، وبعد أيام فارق ذلك الأخ الحياة، إذ لم تحتمل طبيعته إرهاق الألم والتعب.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/ten-commandments-6-you-shall-not-murder/gradual-or-indirect-suicide.html

تقصير الرابط:
tak.la/sqt48n5