St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1635- هل أقتبس سفر المزامير من الحضارات الكنعانية والأشورية والبابلية والمصرية؟

 

 قال البعض "إن ما جاء في (مز13 : 1، 2): " إِلَى مَتَى يا رب تَنْسَانِي كُلَّ النِّسْيَانِ إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي. إِلَى مَتَى أَجْعَلُ هُمُومًا فِي نَفْسِي وَحُزْنًا فِي قَلْبِي كُلَّ يَوْمٍ. إِلَى مَتَى يَرْتَفِعُ عَدُوِّي عَلَيَّ " يتشابه مع صلاة رثاء لعشتار: " إلى متى يا سيدتي ستظلين غاضبة، حتى يتحوَّل وجهك بعيدًا؟. إلى متى يا سيدتي سيظل أعدائي يتفسرون فيَّ؟. بالحق وبغير حق يخططون الشر ضدي. هل مطاردي وأولئك الذين يرتفعون على يثورون عليَّ" (68).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج : لا أحد ينكر أن هناك بعض التشابهات بين ما ورد في تلك الحضارات وما جاء في بعض المزامير، وقد أثبتت الاكتشافات الأثرية حقيقة هذه التشابهات، فجاء في "دائرة المعارف الكتابية" : " إن البحث الأركيولوجي في بابل وفي مصر قد كشف عن أناشيد متقدمة لديهم قبل عصر إبراهيم بقرون عديدة. كما أن الكشف عن آداب الكنعانيين في أوغاريت (عاصمة الحثيين) قد أمدنا بقصائد هامة مشابهة للمزامير منذ عصر موسى. كما تتشابه الأعداد (2-30) من المزمور (104) مع ترنيمة مصرية قديمة للإله آتون في عصر أخناتون في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ويزعمون أن المزمور التاسع والعشرين مقتبس من قصيدة من أوغاريت " للبعل" مع استبدال اسم البعل بِاسم يهوه. كما اتضح من الكشوف الأثرية في أوغاريت أن ترتيب حروف الأبجدية في اللغات السامية قديم جدًا، مما يؤكد قدم القصائد الثمانية المرتبة حروف بداية كل بيت منها حسب ترتيب الأبجدية (وهو مز 9، 10، 25، 34، 37، 111، 112، 114، 119)، وتُنسب المزامير الأربعة الأولى منها إلى داود" (69).

St-Takla.org Image: When all the Kings of the Arameans saw they were defeated they made peace with the Israelites and became subject to them. They no longer fought for the Ammonites against Israel. (2 Samuel 10: 19) (1 Chronicles 19: 19) - "David battles with the Ammonites" images set (2 Samuel 10: 1-19): image (14) - 2 Samuel, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "ولما رأى جميع الملوك، عبيد هدر عزر أنهم انكسروا أمام إسرائيل، صالحوا إسرائيل واستعبدوا لهم، وخاف أرام أن ينجدوا بني عمون بعد" (صموئيل الثاني 10: 19) - "ولما رأى عبيد هدر عزر أنهم قد انكسروا أمام إسرائيل صالحوا داود وخدموه. ولم يشأ أرام أن ينجدوا بني عمون بعد" (أخبار أيام الأول 19: 19) - مجموعة "داود يحارب بني عمون" (صموئيل الثاني 10: 1-19) - صورة (14) - صور سفر صموئيل الثاني، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: When all the Kings of the Arameans saw they were defeated they made peace with the Israelites and became subject to them. They no longer fought for the Ammonites against Israel. (2 Samuel 10: 19) (1 Chronicles 19: 19) - "David battles with the Ammonites" images set (2 Samuel 10: 1-19): image (14) - 2 Samuel, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "ولما رأى جميع الملوك، عبيد هدر عزر أنهم انكسروا أمام إسرائيل، صالحوا إسرائيل واستعبدوا لهم، وخاف أرام أن ينجدوا بني عمون بعد" (صموئيل الثاني 10: 19) - "ولما رأى عبيد هدر عزر أنهم قد انكسروا أمام إسرائيل صالحوا داود وخدموه. ولم يشأ أرام أن ينجدوا بني عمون بعد" (أخبار أيام الأول 19: 19) - مجموعة "داود يحارب بني عمون" (صموئيل الثاني 10: 1-19) - صورة (14) - صور سفر صموئيل الثاني، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

 وليس معنى هذا أن داود النبي أو آساف أو غيرهما أخذ من أناشيد تلك الحضارات وطوَّر فيها ونقاها من عناصر الشرك لتناسب معتقده، ولكن مرجع هذه التشابهات هو وحدة الموضوع، فداود النبي يترجى إلهه، والإنسان الوثني يناجي إلهه، فليس عجيبًا أن تتوارد نفس الأفكار، ولكن ما أوسع الفارق بين الإله الحقيقي الخالق وبين ما يدعونه آلهة، لها آذان لا تسمع وأعين لا ترى، صنعها الإنسان فصارت له شركًا، وعندما نقارن ما جاء في الأساطير بما جاء في سفر المزامير نلاحظ الآتي:

 

 1ــ في الأساطير نجد تعدد الآلهة وسلوكها مثل البشر، فتأكل وتشرب وتتزاوج وتتصارع، أما في سفر المزامير فنجد الوحدانية المطلقة.

 

 2ـ في الأساطير نجد خلق العالم في إطار الزمن السحيق عندما انتصر مردوخ على تيامات وشقَّها نصفين كما تُشق المحارة، فجعل من الشق العلوي السموات ومن الشق السفلي الأرض، ومن عظامها الجبال ومن لعابها الضباب، ومن عينيها نهري دجلة والفرات... إلخ. أما في العهد القديم فالله بدأ بخلقة العالم قبل خلق الزمن، أي خارج الإطار الزمني، وقد خلقه من العدم.

 

 3ـ الذين كتبوا المزامير مثل داود وآساف وغيرهما كانوا يعرفون جيدًا مدى فساد وبطلان العبادات الوثنية، فمن المستبعد جدًا أن يأخذوا من تراث تلك الشعوب المحيطة بأرض الموعد، ولاسيما أن داود صنع معهم حروبًا عظيمة وانتصر عليهم، فأخضع بعضهم وأوقف زحف البعض الآخر نحو إسرائيل، فكيف يقتبس كتَّاب سفر المزامير من شعوب مقهورة عباداتها باطلة شيطانية؟! وكيف يقتبس داود من عشتار إلهة الحرب لدى البابليين، وهو يعلم أن كل هذه الآلهة هيَ وهم وخيال ولا وجود حقيقي لها على أرض الواقع؟!!

 

 4ــ عندما تناولت المزامير الظواهر الطبيعية مثل البروق والرعود والعواصف، وتحدثت عن الموت والهاوية والعالم الآخر، أوضحت أن كل هذه الأمور تخضع للمشيئة الإلهيَّة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. بينما جعلت الديانات الوثنية لهذه المظاهر آلهة تتحكم فيهـا، فهناك آلهة كبار (الأينوناكي) وآلهة صغار (الأيجيجي)، وهناك إله المطر والعواصف وهو الإله "حداد"، وإلهة الخضرة وهيَ "عشتار"، وإلهة الجمال "فينوس"، وإله الشمس "رع".. إلخ من آلهة عديدة تعبد في الشعوب المختلفة.

 وجاء في مقدمة المزامير في الطبعة الكاثوليكية " وقد أظهر بعض المفسرين وجه الشبه بين الأدب غير الكتابي وبعض الفقرات في تسبيح الخالق، فقالوا أن نشيد العاصفة (29) يذكّر بأناشيد إكرام البعل الكنعاني، وأن مطلع المزمور 19 يتضمن ذكرى مبهمة للابتهال إلى الإله الشمس. وأن نشيد الخلق (104) مُستلهم من الترنيمة المصرية للإله آتون. غير أن أصحاب المزامير لا يقلّدون، وفي حال إثبات أن لهم مثلًا في آداب رأس شمرا أو بابل أو مصر، فأنهم لا يتقيدون به حرفيًا. لأنهم، فيما يخصهم، يشيدون بالله الأوحد، وإذا اقتبسوا شيئًا منهم يستوعبونه، مادامت رؤيتهم الإيمانية تحوّل كل شيء. فالرب لا يختلط بقوة من قوى الكون، لأنه قبل كل شيء، إله التاريخ وإله تاريخ إسرائيل بالذات" (70).

 

 5ــ تركز الأناشيد والترانيم في الحضارات الكنعانية على جوانب الحياة الزمنية على هذه الأرض، أما المزاميـر فَجُلّ اهتمامها هو البُعد الروحي، فما تميزت به المزامير من غِنى روحي جزيل افتقرت إليه الحضارات الأخرى.

 

 6ـ تحدثت المزامير عن الطبيعة وجمالها وروعتها، فهيَ بمثابة كتاب لاهوت مفتوح للجميع: " اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ" (مز 19 : 1)، وجاءت بها تشبيهات عديدة من الطبيعة والكائنات الحيَّة:

 وسفر المزامير هو سفر شعري، ومن المعروف أن الخيال الشعري لا يخضع لمقاييس التفسير الحرفي، فمثلًا عندما يقول المزمور: " سَوَاقِي اللهِ مَلآنَةٌ مَاءً" (مز 65 : 9)، فأنه يشير للأمطار، أما الذي يتغافل لغة السفر الشعرية، فأنه سيقول أن السفر قد أقتبس هذا من الأساطير.  1ــ لم تأخذ المزامير من الحضارات المختلفة، هذا من جانب ومن جانب آخر أنه طالما تأثر الشعراء والموسيقيون بالمزامير، وشهد بهذا "زينون كوسيدوفسكي" الذي طالما هاجم الكتاب المقدَّس، فقال: " فمما لا شك فيه أن المزامير أثرت على عقول الأجيال اللاحقة أكثر مما أثرته أسفار التوراة الأخرى. فهيَ شعر غنائي ديني يتصف بالجمال وغنى الأمزجة والميول ويعبر عن مجموع متكامل من الأحاسيس من الكتابة والتذلل واليأس حتى الأمل والإيمان، الاستيقاظ السعيد بعد النوم، الشكر والسعادة، إن البساطة المؤثرة لهذه الأشعار وإيجازها وأسلوبها الدقيق وحماسها الديني الذي يسلب الروح، كل ذلك جعل منها مصدرًا للإلهام، عرف عنه الكثيرون من الشعراء والموسيقيين والمغنيين" (71).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(68) ستيفن م. ميلر وروبرت ف. هوبر - تاريخ الكتاب المقدَّس منذ عهد التكوين وحتى اليوم ص 23، 24.

(69) دائرة المعارف الكتابية جـ 4 ص 234.

 (70) الطبعة اليسوعية من الكتاب المقدَّس - دار المشرق - بيروت ص 1111.

 (71) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 284.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1635.html

تقصير الرابط:
tak.la/5v7qhmb