St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

582- لماذا هجر يسوع الهيكل والمجامع أماكن التعليم، وراح يعلم خارجها (لو 8: 1)؟ وكيف سمح السيد المسيح لنفسه أن النسوة تخدمنه من أموالهن (لو 8: 3)؟ وهل هناك تناقض بين قول لوقا "وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الصَّخْرِ" (لو 8: 6)، وقول متى: "وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ" (مت 13: 5)؟ وهل قصد السيد المسيح من الأمثال أن يُخفي تعاليمه عن البعض ويعلنها للآخر (لو 8: 10)؟

 

س582: لماذا هجر يسوع الهيكل والمجامع أماكن التعليم، وراح يعلم خارجها (لو 8: 1)؟ وكيف سمح السيد المسيح لنفسه أن النسوة تخدمنه من أموالهن (لو 8: 3)؟ وهل هناك تناقض بين قول لوقا "وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الصَّخْرِ" (لو 8: 6)، وقول متى: "وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ" (مت 13: 5)؟ وهل قصد السيد المسيح من الأمثال أن يُخفي تعاليمه عن البعض ويعلنها للآخر (لو 8: 10)؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- لماذ هجر يسوع الهيكل والمجامع أماكن التعليم، وراح يُعلم خارجها (لو 8: 1)..؟ كان السيد المسيح مواظبًا على العبادة في مجمع الناصرة: "وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ" (لو 4: 16) وعندما بدأ كرازته في سن الثلاثين من عمره بدأها من خلال المجامع (لو 4: 15) ونال إعجاب الشعب: "وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ مُمَجَّدًا مِنَ الْجَمِيعِ... وَكَانَ الْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ" (لو 4: 22)، ولكن الشيطان أثار حسد الكتبة والفريسيين والقيادات الدينية عليه، فراحوا يتربصون له، لعلهم يمسكوا عليه فلتة لسان أو تصرف يحتسبونه خطأ فيشنعون به، وفي مجمع الناصرة حاولوا التعدي وطرحه من على الجبل الكائنة عليه مدينتهم أما هو فجاز في وسطهم ومضى (لو 4: 23-30)، وخرج يكرز ويُبشر ببشارة الملكوت في الأماكن المفتوحة، تجده تارة في سفينة بطرس وقد إتخذها منبرًا للتعليم والوعظ والجموع تجلس على شط البحيرة تُصغي لكلماته وتعاليمه (لو 5: 3) وتارة تجده على سفح الجبل (مت 5: 1، 2) وفي كرازته في الأماكن المفتوحة بعيدًا عن المجامع والهيكل تهيأت الفرصة للقاء بعض الأمميين له، مثل قائد المئة الأممي والمرأة الكنعانية، وفي كرازته في البيوت كانت الفرصة مُهيأة للقاء بعض الشخصيات التي يصعب تواجدها في المجامع مثل المرأة الخاطئة التي إلتقت به في بيت سمعان الفريسي. وفي هذا لم ينقطع عن التعليم في الهيكل طوال فترة تواجده في أورشليم: "أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِمًا. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ" (يو 18: 20).

 

2- كيف سمح السيد المسيح لنفسه أن النساء تخدمنه من أموالهن (لو 8: 3)..؟ كانت المرأة مُحتقرة في الأمم، وللأسف انتقلت نظرة الازدراء هذه للشعب اليهودي، بالرغم من أن الكتاب المقدَّس بعهديه كرَّم المرأة، ففي العهد القديم نلتقي بمريم النبية أخت موسى وهرون وتسبحتها الخالدة (خر 15)، ودبورة النبية العظيمة التي أنقذت شعب اللَّه من عبودية ملك كنعان ورئيس جيشه سيسرا (قض 4، 5)، وخلدة النبية (2 مل 22: 13-20) وغيرهن... فكان الرجل اليهودي يشكر اللَّه كل صباح لأنه لم يخلقه امرأة، فجاء السيد المسيح وأعاد للمرأة كرامتها، حيث تجسَّد من العذراء القديسة الطاهرة مريم، وظهرت في المشهد نساء عظيمات، واهتم القديس لوقا بتسجيل العديد من المواقف التي تظهر فيها عظمة المرأة، وقد ناقشنا هذا الموضوع من قبل، فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد س542 رقم (9). والحقيقة أن السيد المسيح عندما سمح لهؤلاء النسوة العظيمات بالصرف من أموالهن على احتياجات الخدمة، فهو بهذا فتح أمامهن المجال للمشاركة في الخدمة، وكان بيت مريم ومرثا مفتوحًا للسيد المسيح وتلاميذه يجد راحته فيه، وصارت مريم المجدلية أول كارزة بالقيامة، وهذا أمر ليس غريبًا عن روح الكتاب، فقديمًا اختار اللَّه أرملة صرفة صيدا لتعول إيليا النبي الناري في وقت المجاعة، واستضافت المرأة الشونمية أليشع النبي في بيتها ووفرت له احتياجاته. ويقول "الدكتور القس إبراهيم سعيد" عن تلك النسوة الثلاث التي ذكرهن القديس لوقا: "مريم المجدلية المنتسبة إلى مجدل التي معناها قلعة. هذه ظلت كوكبًا ساطعًا كُسف أمام لمعانه كواكب التلاميذ. ومنها قد أخرج الرب "سبعة شياطين".. الامتلاء بالأرواح النجسة ليست خطية يُحاسب عليها الإنسان... ومنهن "يونّا"-معناها حمامة- "امرأة خوزي وكيل هيردوس". هذه كانت من أشراف القوم وعليتهم، مما يدل على أن إنجيل المسيح قد ذاع وملأ الأسماع، حتى بلغ سكان القصور، كما بلغ آذان المصابين بالأرواح النجسة، الملازمين للقبور. ومنهم "سوسنة" وإن كنا لا نعلم شيئًا عن تاريخ هذه "السوسنة" الجميلة، من أية تربة نبتت، ولا في أي بستان ترعرعت، لكنها كانت مُعطرة البيئة التي منها نبتت، وفيها ترعرعت. على أن الأعداد، وإن كشفت لنا عن قلب النساء اللواتي خدمن يسوع لكنها تكشف لنا شيئًا عن قلب المسيح، الذي تنازل فرضى أن تعوله هذه الأيادي الضعيفة" (207).

 

St-Takla.org Image: Parable: "Behold, a sower went forth to sow" (Matthew 13: 3; Luke 8: 4-15) - from "The Coloured Picture Bible for Children" book, 1900. صورة في موقع الأنبا تكلا: مثل الزارع: "هوذا الزارع قد خرج ليزرع" (متى 13: 3؛ لوقا 8: 4-15) - من كتاب "الكتاب المقدس الملون المصور للأطفال"، إصدار سوك لنشر المسيحية، 1900 م.

St-Takla.org Image: Parable: "Behold, a sower went forth to sow" (Matthew 13: 3; Luke 8: 4-15) - from "The Coloured Picture Bible for Children" book, 1900.

صورة في موقع الأنبا تكلا: مثل الزارع: "هوذا الزارع قد خرج ليزرع" (متى 13: 3؛ لوقا 8: 4-15) - من كتاب "الكتاب المقدس الملون المصور للأطفال"، إصدار سوك لنشر المسيحية، 1900 م.

3- هل هناك تناقض بين قول لوقا "وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الصَّخْرِ" (لو 8: 6)، وقول متى: "وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ" (مت 13: 5)..؟ سواء كانت الأرض صخرية أو محجرة فهيَ لا تصلح للزراعة، حتى لو غطتها طبقة من الأتربة أو الطمي فهيَ طبقة رقيقة، فعندما تنبت البذار لا تجد الجذور لها عمقًا فتجف وتذبل بفعل أشعة الشمس، فأشعة الشمس التي كانت سبب في إنباتها ونموها هيَ السبب في جفافها وذبولها، وهذه النبتة سريعة الزوال: "بِنْتَ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَبِنْتَ لَيْلَةٍ هَلَكَتْ" (يون 4: 10).

ويقول "القس سمعان كلهون": "لا فرق بين قول متى ومرقس "عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ" وقول لوقا "عَلَى الصَّخْرِ". بل أن الصخر في لوقا يفسر الأماكن المحجرة في متى ومرقس بأنه ليس المُراد بها التربة الكثيرة الحجارة، لأن مهما كانت الحجارة كثيرة وكبيرة فهيَ لا تمنع الجذور من السريان في الأرض إلى عمق الرطوبة. لكن المقصود هو الطبقة الرقيقة من التراب على صخر متسع. فهذا يجعل امتداد الجذور يتوقف عند عمق قليل... فالزرع (البذار) الذي يسقط على هذه الطبقة الرقيقة من الأرض إذا نزل عليه المطر ينبت حالًا، ولكن إذا لا يتأصل في تربة عميقة رطبة يذبل تحت حرارة الشمس وريح السموم فيجف وييبس" (208).

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

 

4- هل قصد السيد المسيح من الأمثال أن يُخفي تعاليمه عن البعض ويعلنها للآخر (لو 8: 10)..؟ عندما سأل التلاميذ معلمهم الصالح عن مَثَل الزارع: "فَقَالَ لَكُمْ قَدْ أُعْطِيَ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ الله وَأَمَّا لِلْبَاقِينَ فَبِأَمْثَال حَتَّى إِنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَسَامِعِينَ لاَ يَفْهَمُونَ" (لو 8: 10)، فالسيد المسيح استخدم الأمثال في التعليم لعدة أهداف، فمثلًا:

أ– الأمثال تطبع الصورة في الذهن، وتساعد الإنسان في فهم الأمور البعيدة عن طريق الأمور القريبة، فهيَ تصوّر الحقائق الصعبة بأمور سهلة مألوفة في الحياة، وتُجسَّد الحقائق الإيمانية العميقة والمعاني الروحية الفائقة، ويقول "القديس كيرلس الكبير": "لأن الأمثال يمكن أن نقول عنها أنها صور لا لأمور منظورة، بل بالحري لأمور روحية لا تُدرك بالعقل، لأن ذلك الذي لا يُمكن أن يُرى بعيون الجسد تشير إليه الأمثال بعيون العقل، وهيَ تشكل الأمور العقلية بصورة جميلة بواسطة الصوَّر الحسيّة، وبواسطة ما يمكن أن يُلمس" (209).

ب- تحفز الأمثال الذاكرة للتفكير في أعماق المَثَل، وما يخفيه من معاني بين السطور.

جـ- الأمثال طريقة مشوّقة للتعليم، وعوضًا عن كشف الحق للناس، فالأمثال تدفعهم لاكتشاف الحق بأنفسهم.

د– أراد السيد المسيح أن لا يطرح درره أمام الخنازير ولذلك استخدم الأمثال، فالمُعاندون لا يفهمون القصد من المَثَل، فهم مُبصرين لا يبصرون وسامعين لا يفهمون، وقد رفضوا النور الإلهي فأسلمهم اللَّه إلى ذهن مرفوض، وجاء في "دائرة المعارف الكتابية" عن المَثَل: "ولقد قيل بأن المَثَل يشبه عمود النار في القديم، الذي كان نورًا لشعب الرب، وسحابة مُظلمة في عيون المصريين. فالمَثَل يقدم التعليم والرقة للذين يطيعونه، ويقدم القساوة والتعثر للذين يتمردون ويتقسون" (210). ويقول "وليم ماكدونالد": "إن يسوع كان قد قصد أن يعرض العديد من الحقائق بشكل أمثال، حتى لا يفهمها كل من لا يحب الرب محبة حقيقية، حتى أنهم مُبصرين لن يتمكنوا من رؤية الأمور على حقيقتها، وسامعين لن يتسنى لهم فهم ما يسمعونه. فهؤلاء كانوا، بمعنى من المعاني، قد أبصروا وسمعوا. لقد عرفوا مثلًا أن يسوع كان يتحدث عن زارع وزراعة، إلاَّ أنه فاتهم فهم المغزى العميق لهذا الإيضاح. كما أنهم لم يدركوا أن قلوبهم كانت قاسية، وغير تائبة، وأشبه بتربة قد علاها الشوك، وأنهم لم يستفيدوا من الكلمة التي سمعوها" (211).

ويقول "القس ليون موريس" أن السيد المسيح: "أكثر من استخدم الأمثلة والقصص التي كان يفهمها فقط أولئك الذين كان لهم استعداد لقبولها، وكانت الأمثال تتطلب إعمالًا للفكر وحماسًا روحيًا، إذ كانت تفصل بين ذاك الذي يحب عن يسوع باخلاص وذاك الذي كان يسمعه عرضًا... (فمثل هؤلاء) يسمعون الأمثال، بيد أنهم لا يتعمقون في معانيها، فالأمثال تكشف الحق، إلاَّ أنها قد تخفيه أيضًا، فكشف الحقائق لأولئك الذين يسعون لها بصدق، الذين يتجشمون عناء التعمق تحت السطح لكي يكتشفوا المعنى، بيد أنها تُخفى عن ذاك الذي يجد كفايته في مجرد الإصغاء إلى المَثَل. وهذه بوضوح هيَ نتيجة الأمثال، لكن يسوع يقول أن هذا هو هدفها أيضًا، فالأمثال تمثل كنزًا للمعلومات لأولئك الذين يتشوَّقون إلى المعرفة، غير أنها تمثل دينونة بالنسبة لمن يهملها أو لا يسمعها إلاَّ عرضًا"(212).

وقد سبق مناقشة هذا الموضوع، فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد جديد جـ 4 س346، جـ 6 س503. ونضيف هنا قول "الدكتور القس إبراهيم سعيد" تعليقًا على ما جاء في (لو 8: 10) حيث يقول: "لأن أمثاله تحوي نورًا لمن يُريد أن يرى، وتنطوي على غموض يزيد الكلام سوادًا على من يُريد أن يضع على عينيه غشاوة. فالمسيح عظيم فيما يُعلن، عظيم فيما يُخفي. إنه بإعلانه يضيف نورًا على نور، وبإخفائه يحرّض الباحثين على النور لإيجاده... إذا كانت أمثلة فاصلة بين الذين يتبعونه بإخلاص، فتربى فيهم ملكة الاستقراء والاستنتاج، وبين الذين يتبعونه لأغراض نفسانية، فتُعلن فيهم هذه الغايات كعامود السحاب الذي رافق بني إسرائيل أربعين سنة، كان يُضئ على شعب اللَّه، وكان مُظلمًا على أعدائه. فالمَثَل هو إلباس الحقائق الروحية، المعنوية، لباسًا ماديًا لغويًا، ليبعدها عن العيون المادية ويُخليها، فتقترب من العيون الروحية لتراها... لأنه كان يستعمل أمثالًا لتعاليم روحية، لا لإشباع شوق أدبي، ولا لإضفاء تعطش (الاستقصاء الفضولي). فقد كانت أمثاله خالية من التعبيرات الخيالية، التي تنسب النطق للحيوان, والعقل للنبات، والحركة للجماد. فهيَ أمثال فياضة بروح الوقار، خالية من السخرية والهزل السخيف. أننا مدينون لتلاميذ المسيح بسؤالهم سيدهم أن يُفسر لهم هذا المَثَل... نطق الفادي بهذا المَثَل على شاطئ البحيرة، فاتخذ من قارب الصيد منبرًا، ومنه تحدث إلى الجماهير المجتمعة على الشاطئ، لكنه أوضحه لتلاميذه على انفراد في البيت" (213).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(207) شرح بشارة لوقا، ص186، 187.

(208) اتفاق البشيرين، ص219.

(209) ترجمة د. نصحي عبد الشهيد - تفسير إنجيل لوقا، ص189.

(210) دائرة المعارف الكتابية جـ 8، ص100.

(211) شرح بشارة لوقا، ص187-189.

(212) ترجمة نيكلس نسيم - التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد الجديد - إنجيل لوقا، ص155، 156.

(213) شرح بشارة لوقا، ص187-189.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/582.html

تقصير الرابط:
tak.la/y6qkh6r