St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   14-Sefr-Akhbaar-Al-Aiam-El-Thane
 

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب

سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

أخبار الأيام الثاني 28 - تفسير سفر أخبار الأيام الثاني

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب أخبار أيام ثاني:
تفسير سفر أخبار الأيام الثاني: مقدمة سفر أخبار الأيام الثاني | أخبار الأيام الثاني 1 | أخبار الأيام الثاني 2 | أخبار الأيام الثاني 3 | أخبار الأيام الثاني 4 | أخبار الأيام الثاني 5 | أخبار الأيام الثاني 6 | أخبار الأيام الثاني 7 | أخبار الأيام الثاني 8 | أخبار الأيام الثاني 9 | أخبار الأيام الثاني 10 | أخبار الأيام الثاني 11 | أخبار الأيام الثاني 12 | أخبار الأيام الثاني 13 | أخبار الأيام الثاني 14 | أخبار الأيام الثاني 15 | أخبار الأيام الثاني 16 | أخبار الأيام الثاني 17 | أخبار الأيام الثاني 18 | أخبار الأيام الثاني 19 | أخبار الأيام الثاني 20 | أخبار الأيام الثاني 21 | أخبار الأيام الثاني 22 | أخبار الأيام الثاني 23 | أخبار الأيام الثاني 24 | أخبار الأيام الثاني 25 | أخبار الأيام الثاني 26 | أخبار الأيام الثاني 27 | أخبار الأيام الثاني 28 | أخبار الأيام الثاني 29 | أخبار الأيام الثاني 30 | أخبار الأيام الثاني 31 | أخبار الأيام الثاني 32 | أخبار الأيام الثاني 33 | أخبار الأيام الثاني 34 | أخبار الأيام الثاني 35 | أخبار الأيام الثاني 36

نص سفر أخبار الأيام الثاني: أخبار الأيام الثاني 1 | أخبار الأيام الثاني 2 | أخبار الأيام الثاني 3 | أخبار الأيام الثاني 4 | أخبار الأيام الثاني 5 | أخبار الأيام الثاني 6 | أخبار الأيام الثاني 7 | أخبار الأيام الثاني 8 | أخبار الأيام الثاني 9 | أخبار الأيام الثاني 10 | أخبار الأيام الثاني 11 | أخبار الأيام الثاني 12 | أخبار الأيام الثاني 13 | أخبار الأيام الثاني 14 | أخبار الأيام الثاني 15 | أخبار الأيام الثاني 16 | أخبار الأيام الثاني 17 | أخبار الأيام الثاني 18 | أخبار الأيام الثاني 19 | أخبار الأيام الثاني 20 | أخبار الأيام الثاني 21 | أخبار الأيام الثاني 22 | أخبار الأيام الثاني 23 | أخبار الأيام الثاني 24 | أخبار الأيام الثاني 25 | أخبار الأيام الثاني 26 | أخبار الأيام الثاني 27 | أخبار الأيام الثاني 28 | أخبار الأيام الثاني 29 | أخبار الأيام الثاني 30 | أخبار الأيام الثاني 31 | أخبار الأيام الثاني 32 | أخبار الأيام الثاني 33 | أخبار الأيام الثاني 34 | أخبار الأيام الثاني 35 | أخبار الأيام الثاني 36 | أخبار الأيام الثاني كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اَلأَصْحَاحُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ

الملك آحاز الشرير

 

لم يصنع شيئًا صالحًا!

بعد الفترة القصيرة التي عاشها الملك التقي يوثام، ملك آحاز الذي يُقَدِّمه لنا الكتاب المقدس كعَيِّنة رديئة للغاية في ارتداده عن الإيمان. تولَّى آحاز المُلْك بعد موت أبيه، لكنه لم يسلك باستقامة قلب مثل أبيه، بل سار في طريق ملوك إسرائيل الذين لم يوجد بينهم ملك واحد صالح.

أغلق آحاز بيت الرب، وأجاز بنيه في النار، فدفعه الرب ليد أرام وأيضًا ليد ملك إسرائيل حيث سُبِيَ عددٌ كبيرٌ من شعبه.

 

1. شرُّ آحاز العظيم

 

1-4

2. انهياره أمام ملك أرام

 

5

3. انهياره أمام ملك إسرائيل

 

6-8

4. عوبيد يوبّخ جيش إسرائيل

 

9-15

5. التجاؤه إلى أشور باطلاً

 

16-21

6. التجاؤه إلى آلهة دمشق

 

22

7. التجاؤه إلى آلهة أخرى

 

23-25

8. موت مُخزي

 

26-27

* من وحي 2 أي 28: لتطرد كل خطية من قلبي، فأستريح بك!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: In one day of fighting, the armies of Israel and Aram killed 120,000 of Judah’s troops. (2 Chronicles 28: 6) - "Oded rescues captured women and children" images set (2 Chronicles 28:1-14): image (4) - 2 Chronicles, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "وقتل فقح بن رمليا في يهوذا مئة وعشرين ألفا في يوم واحد، الجميع بنو بأس، لأنهم تركوا الرب إله آبائهم" (أخبار الأيام الثاني 28: 6) - مجموعة "عوديد النبي ينقذ النساء والأطفال من السبي" (أخبار الأيام الثاني 28: 1-14) - صورة (4) - صور سفر أخبار الأيام الثاني، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: In one day of fighting, the armies of Israel and Aram killed 120,000 of Judah’s troops. (2 Chronicles 28: 6) - "Oded rescues captured women and children" images set (2 Chronicles 28:1-14): image (4) - 2 Chronicles, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "وقتل فقح بن رمليا في يهوذا مئة وعشرين ألفا في يوم واحد، الجميع بنو بأس، لأنهم تركوا الرب إله آبائهم" (أخبار الأيام الثاني 28: 6) - مجموعة "عوديد النبي ينقذ النساء والأطفال من السبي" (أخبار الأيام الثاني 28: 1-14) - صورة (4) - صور سفر أخبار الأيام الثاني، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

1. شرُّ آحاز العظيم

1 كَانَ آحَازُ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَلَمْ يَفْعَلِ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ كَدَاوُدَ أَبِيهِ، 2 بَلْ سَارَ فِي طُرُقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، وَعَمِلَ أَيْضًا تَمَاثِيلَ مَسْبُوكَةً لِلْبَعْلِيمِ. 3 وَهُوَ أَوْقَدَ فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ وَأَحْرَقَ بَنِيهِ بِالنَّارِ حَسَبَ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 4 وَذَبَحَ وَأَوْقَدَ عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ وَعَلَى التِّلاَلِ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ.

 

كَانَ آحَازُ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،

وَمَلَكَ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ،

وَلَمْ يَفْعَلِ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ كَدَاوُدَ أَبِيهِ [1]

استلم آحاز كرسي يهوذا، وكانت المملكة غنية وقوية والعبادة مُستقِرة بفضل استقامة حياة أبيه، بينما كانت مملكة إسرائيل في حالة انهيار ودمار، وصارت على وشك السقوط تحت السبي الأشوري.

في غباوة اقتدى بإسرائيل المنهار في مقاومته للرب، ورفض أن يُكَمِّلَ مسيرة أبيه المقدسة، فانحدرت في أيامه يهوذا. وفَقدَ آحاز الكثير، إذ عاش في سلسلة من المتاعب مع الهزيمة والعار. ومع هذا كلما فشل ازداد في الشر، حاسبًا في الوثنية نصرة وخلاصًا.

بموت أبيه واستلامه للمملكة، ظَنَّ في طريق الفساد نوعًا من الحرية واللَّذة.

قاوم آحاز عبادة الله الحيّ، فأخطأ في حق الله، كما أخطأ في حق نفسه، وأساء إلى شعبه. اقتدى بإسرائيل المُتمرِّد، وظَنَّ في التحالف مع أشور، والاحتماء تحت جناحيه أمانًا وسلامًا، لكن أشور أهانه ولم يسنده.

لجأ إلى آلهة دمشق (أرام)، حاسبًا أنها تقدر أن تُخَلِّصَه فانهار. لجأ إلى الآلهة الأخرى وصنع شرورًا ورجاسات وأحرق بنيه بالنار للأصنام!

في دراستنا للأصحاح السابق لاحظنا أن يوثام الملك، وإن كان قد سلك باستقامة قلبٍ كل أيام مملكته، غير أنه كانت تنقصه موهبة كسب النفوس لله. لم نسمع عنه أنه وَبَّخ القادة والشعب على فسادهم الرهيب الذي كشفه ميخا النبي بمرارة نفسه، ولا رفع صلوات عنهم، إنما مع أعماله الصالحة وإيمانه أهمل في حق الشعب إذ لم يحثهم على الرجوع إلى الله، والامتناع عن العبادات الوثنية ورجاساتها.

لعل هذا الموقف انعكس على حياة ابنه آحاز الذي انغمس في الشر بصورةٍ رهيبةٍ، فإذ لم يهتم بالشعب لم يعمل الله في قلب أولاده. يصعب علينا أن نتجاهل مسئولية يوثام نحو تربيته لابنه آحاز.

يليق بنا أن نقف قليلاً عند نظرة القديس يوحنا الذهبي الفم عن مسئولية الوالدين في تربية أبنائهم[1]، حتى ندرك جميعنا مسئوليتنا على مساعدة الأجيال القادمة للتمتُّع بالخلاص.

بَلْ سَارَ فِي طُرُقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ،

وَعَمِلَ أَيْضًا تَمَاثِيلَ مَسْبُوكَةً لِلْبَعْلِيمِ. [2]

وَهُوَ أَوْقَدَ فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، وَأَحْرَقَ بَنِيهِ بِالنَّارِ،

حَسَبَ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. [3]

في (2 مل 16: 3) وفي يوسيفوس المؤرخ[2] ورد عنه أنه قَدَّم ابنه مُحرَقة في وادي ابن هنّوم، وهنا يذكر تقديمه أبنائه بالجمع [3].

وَذَبَحَ وَأَوْقَدَ عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ وَعَلَى التِّلاَلِ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ. [4]

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. انهياره أمام ملك أرام

فَدَفَعَهُ الرَّبُّ إِلَهُهُ لِيَدِ مَلِكِ أرام،

فَضَرَبُوهُ، وَسَبُوا مِنْهُ سَبْيًا عَظِيمًا،

وَأَتُوا بِهِمْ إِلَى دِمَشْقَ.

وَدُفِعَ أَيْضًا لِيَدِ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ،

فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَظِيمَةً. [5]

 

إذ أعطى القفا لله الحيّ، ولجأ إلى الآلهة المُزَيَّفة لتحميه، سقط تحت أيدي أعدائه. أَدَّبه الله تارة بواسطة ملك أرام الذي أهانه وقهره وضربه في ساحة الحرب، وسبى الكثيرين من بني يهوذا، وأتى بالملك إلى دمشق، وتارة على يد ملك إسرائيل الذي ضربه ضربة عظيمة.

ما حدث مع آحاز وقادته وشعبه، إنما هو قصة متكررة منذ سقوط أبوينا الأولين إلى يومنا هذا، وتبقى إلى نهاية الدهور. فإن الشرَّ مع ما يحمله من لذَّة، يشبه العسل المملوء سمًا، يدفع الإنسان كما الأمة أو الدولة إلى الدمار. يحمل الشر الفشل والمَذَلَّة والدمار والفساد في داخله. وليس من طريق للبرِّ والنجاح والنصرة بدون نعمة الله التي تُقِيمنا كما من الموت.

يُقَدِّم لنا كثير من الآباء أمثلة عملية عبر التاريخ عن خطورة الشر وترك الرب، نذكر هنا ما كتبه العلامة أوريجينوس كمثال يلزمنا أن نحذر منه. ففي تعليقه على الآية "وعمل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب، فدفعهم الرب ليد مديان" (قض 6: 1) قال:

v طالما كانت الخطية في سكونٍ، تكون الأرض في سلام (قارن قض 5: 31). لكن مكتوب أن الأرض نهضت، أي نهض سكانها عندما بدأت الخطية تقوم، وتعكرت بعمق نفوس البشر. من أجل هذا كُتِبَ: "واستراحت الأرض أربعين سنة" (قض 5: 31).

"وعمل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب، فدفعهم الرب ليد مديان سبع سنين. فاعتزَّتْ يد مديان على إسرائيل" (قض 6: 1-2).

طالما وُجِدَ البرُّ في الأرض، أي في الساكنين على الأرض، يُقال: ""كانت الأرض في سلام" (قارن حز 4: 1-3). لكن عندما يزداد الظلم، و"يعملون الشر في عيني الرب"، يُقَال: "فدفعهم الرب ليد مديان سبع سنين".

لم يُذكَر أن أيدي المديانيين اعتزَّت على شعب الرب عندما كان الشعب يحفظ وصايا الرب. لكن عندما بدأوا في إهمال الوصايا الإلهية، قويت أيدي الأعداء، وصارت أكثر فاعلية ضدهم.

حقًا، تشتد قوة الأعداء الجسديين ضد الشعب عند ارتكاب الشعب الخطية. كذلك ضدنا نحن أيضًا المدعوين إسرائيل بالمعنى الروحي، فبدون شك يقوى الأعداء الروحيين، عندما نهمل وصايا الله. عندما نقاوم وصايا المسيح، تقوى أيدي الشياطين ضدنا، ونُدفَع ليد أعدائنا عندما نفصل أنفسنا عن النعمة[3].

v لكن دعونا نرى ما حدث لهؤلاء الذين دُفِعوا بسبب خطاياهم. مكتوب: "بسبب المديانيين عمل بنو إسرائيل لأنفسهم الكهوف التي في الجبال والمغاير والحصون. وإذا زرع إسرائيل، كان يصعد المديانيون والعمالقة وبنو المشرق عليهم، وينزلون عليهم ويُتلِفون غلة الأرض إلى مجيئك إلى غزة" (قض 6: 2-4). في الحقيقة تألم "إسرائيل حسب الجسد" (راجع 2 كو 10: 18) بمثل هذه الأمور. لقد زرع الأرض، وبسبب خطاياه سُلِّم لأيدي الأعداء الذين كانوا ينمون في القوة. ومن ثمار الأرض، "حصد فسادًا" (غل 6: 8).

أما بالنسبة لنا نحن الذين دُعينا إسرائيل حسب الروح، دعونا نتأمل فيما يمكن أن يحدث. قد نزرع، ولا يمكن للأعداء تدمير البذور التي نغرسها، أو تدبير المكيدة لغرس الأرض وفي ظرف آخر قد يُدَمَّر ما نزرعه.

يُعَلِّمنا بولس الرسول عن هذا الاختلاف في الزرع. اسمعوا ما يقوله: "من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادًا. ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية" (غل 6: 8). لهذا فالذين يزرعون للجسد يأتي المديانيون ويُدَمِّرون ما يزرعون، هؤلاء الذين تُدمَّر ثمارهم وتبيد. أما البذور التي تُزرَع للروح، فلا يستطيع المديانيون تدميرها. لأن قوات العدو لا تقدر أن تقوم على الحقول الروحية، ولا أن تنتهك قدسية حقول الروح المُفلِّحة التي لهؤلاء الذين لا يزرعون على الأشواك، بل يحرثون لأنفسهم حرثًا" (راجع إر 4: 3؛ هو 10: 12؛ مت 13: 22)[4].

العلامة أوريجينوس

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. انهياره أمام ملك إسرائيل

6 وَقَتَلَ فَقَحُ بْنُ رَمَلْيَا فِي يَهُوذَا مِئَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، الْجَمِيعُ بَنُو بَأْسٍ، لأَنَّهُمْ تَرَكُوا الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِمْ. 7 وَقَتَلَ زِكْرِي جَبَّارُ أَفْرَايِمَ مَعَسِيَا ابْنَ الْمَلِكِ، وَعَزْرِيقَامَ رَئِيسَ الْبَيْتِ، وَأَلْقَانَةَ ثَانِيَ الْمَلِكِ. 8 وَسَبَى بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ إِخْوَتِهِمْ مِئَتَيْ أَلْفٍ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، وَنَهَبُوا أَيْضًا مِنْهُمْ غَنِيمَةً وَافِرَةً وَأَتَوْا بِالْغَنِيمَةِ إِلَى السَّامِرَةِ.

 

وَقَتَلَ فَقْحُ بْنُ رَمَلْيَا فِي يَهُوذَا مِئَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ

- الْجَمِيعُ بَنُو بَأْسٍ -

لأَنَّهُمْ تَرَكُوا الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِمْ. [6]

اقتدى آحاز بإسرائيل المُتمرِّد، فسمح له الرب أن يُسَلَّم لملك إسرائيل المُتعبِّد للأوثان، فضربه ضربة عظيمة، وعانى شعبه الكثير من هذا التأديب. سالت دماء مئة وعشرين ألفًا في يومٍ واحدٍ، ونُهِبَت بلاد يهوذا، وتشتت الشعب.

هذا الشعب الذي لم يتجاوب بقلبه وسلوكه مع الملك الصالح يوثام، انهار في أيام آحاز بن يوثام.

في يومٍ واحدٍ قتل فقح 120000 من رجال يهوذا، رجال ذوي بأس، ليس لعدم أمانة الملك فحسب، وإنما لأنهم تركوا الرب إله آبائهم. كما قام إسرائيل بسبي 200000 شخصًا، ونهبوا غنائم كثيرة. بدأ انهيار مملكة يهوذا تمامًا، وبالرغم من ذلك فإن الله لم يسمح لابن طبيئيل أن يَحِلَّ محل ذرية داود الحقيقية، إنما أراد أن يحقق وعده لداود.

وَقَتَلَ زِكْرِي جَبَّارُ أَفْرَايِمَ مَعْسِيَّا ابْنَ الْمَلِكِ، وَعَزْرِيقَامَ رَئِيسَ الْبَيْتِ،

وَأَلْقَانَةَ ثَانِيَ الْمَلِكِ. [7]

معسيا ابن الملك: غالبًا يُقصَد بالملك هنا يوثام.

وَسَبَى بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ إِخْوَتِهِمْ مِئَتَيْ أَلْفٍ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ،

وَنَهَبُوا أَيْضًا مِنْهُمْ غَنِيمَةً وَافِرَةً،

وَأَتُوا بِالْغَنِيمَةِ إِلَى السَّامِرَةِ. [8]

سلك آحاز في طريق إسرائيل، فإذا بإسرائيل يقتل من يهوذا مئة وعشرين ألفًا من رجال البأس في يومٍ واحدٍ، الأمر الذي لم يحدث مثله في كل تاريخ يهوذا، وكان من بينهم قادة وابن الملك، وقام إسرائيل بسبي مائتيّ ألف من النساء والبنين والبنات، مع أن مملكة إسرائيل في ذلك الوقت لم تكن قوية. هذا كله لأنهم "تركوا الرب إله آبائهم" [6].

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. عوديد يُوَبِّخ جيش إسرائيل

9 وَكَانَ هُنَاكَ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ اسْمُهُ عُودِيدُ، فَخَرَجَ لِلِقَاءِ الْجَيْشِ الآتِي إِلَى السَّامِرَةِ وَقَالَ لَهُمْ: «هُوَذَا مِنْ أَجْلِ غَضَبِ الرَّبِّ إِلهِ آبَائِكُمْ عَلَى يَهُوذَا قَدْ دَفَعَهُمْ لِيَدِكُمْ وَقَدْ قَتَلْتُمُوهُمْ بِغَضَبٍ بَلَغَ السَّمَاءَ. 10 وَالآنَ أَنْتُمْ عَازِمُونَ عَلَى إِخْضَاعِ بَنِي يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ عَبِيدًا وَإِمَاءً لَكُمْ. أَمَا عِنْدَكُمْ أَنْتُمْ آثَامٌ لِلرَّبِّ إِلهِكُمْ؟ 11 وَالآنَ اسْمَعُوا لِي وَرُدُّوا السَّبْيَ الَّذِي سَبَيْتُمُوهُ مِنْ إِخْوَتِكُمْ لأَنَّ حُمُوَّ غَضَبِ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ». 12 ثُمَّ قَامَ رِجَالٌ مِنْ رُؤُوسِ بَنِي أَفْرَايِمَ: عَزَرْيَا بْنُ يَهُوحَانَانَ، وَبَرَخْيَا بْنُ مَشُلِّيمُوتَ، وَيَحَزْقِيَا بْنُ شَلُّومَ، وَعَمَاسَا بْنُ حِدْلاَيَ عَلَى الْمُقْبِلِينَ مِنَ الْجَيْشِ، 13 وَقَالُوا لَهُمْ: «لاَ تَدْخُلُونَ بِالسَّبْيِ إِلَى هُنَا لأَنَّ عَلَيْنَا إِثْمًا لِلرَّبِّ، وَأَنْتُمْ عَازِمُونَ أَنْ تَزِيدُوا عَلَى خَطَايَانَا وَعَلَى إِثْمِنَا، لأَنَّ لَنَا إِثْمًا كَثِيرًا، وَعَلَى إِسْرَائِيلَ حُمُوُّ غَضَبٍ». 14 فَتَرَكَ الْمُتَجَرِّدُونَ السَّبْيَ وَالنَّهْبَ أَمَامَ الرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الْجَمَاعَةِ. 15 وَقَامَ الرِّجَالُ الْمُعَيَّنَةُ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَخَذُوا الْمَسْبِيِّينَ وَأَلْبَسُوا كُلَّ عُرَاتِهِمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَكَسَوْهُمْ وَحَذَوْهُمْ وَأَطْعَمُوهُمْ وَأَسْقَوْهُمْ وَدَهَّنُوهُمْ، وَحَمَلُوا عَلَى حَمِيرٍ جَمِيعَ الْمُعْيِينَ مِنْهُمْ، وَأَتَوْا بِهِمْ إِلَى أَرِيحَا، مَدِينَةِ النَّخْلِ، إِلَى إِخْوَتِهِمْ. ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى السَّامِرَةِ.

 

وَكَانَ هُنَاكَ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ اسْمُهُ عُودِيدُ،

فَخَرَجَ لِلِقَاءِ الْجَيْشِ الآتِي إِلَى السَّامِرَةِ وَقَالَ لَهُمْ:

هُوَذَا مِنْ أَجْلِ غَضَبِ الرَّبِّ إِلَهِ آبَائِكُمْ عَلَى يَهُوذَا قَدْ دَفَعَهُمْ لِيَدِكُمْ،

وَقَدْ قَتَلْتُمُوهُمْ بِغَضَبٍ بَلَغَ السَّمَاءَ. [9]

بغضبٍ بلغ إلى السماء: إشارة إلى عظمة الغضب وعظمة خطيتهم، فالله لا يطيق سفك الدم وسبي النساء والأولاد والبنات.

مع ما في تقديم أبنائه ذبائح من قسوة ودنس وبُغضَة لله الحيّ الذي يمنع الذبائح البشرية، عَرَّض تسلسل ملوك يهوذا من بيت داود للخطر. وفي هذه المناسبة ذهب إليه إشعياء النبي لمقابلته وتأكيد سقوط أرام وأفرايم، وبعدها قَدَّم له السيد الرب أن يعطيه علامة خاصة بميلاد المُخَلِّص الإله المتجسد من العذراء، ويُدعَى اسمه عمانوئيل (إش 7: 10-17).

والحدث الثاني هو المعاملة الطيبة للأسرى من يهوذا بواسطة مملكة الشمال حيث ظهر على المسرح النبي عوديد فجأة لاستقبال جيش إسرائيل المنتصر والقادم يسوق يهوذا في مذلة للسبي، ويحمل الغنائم بعد سفك دماء هذا قدرها.

استقبل الجيش لا ليُهَنِّئه على نصرته، بل ليكشف خطأهم، ويُحَذِّرهم من العقوبة التي ستحل بهم. فإن كان الله قد غضب على يهوذا بسبب تركهم له، إنما اقتدوا بإسرائيل الشرير. سألهم ألا ينشغلوا بالنصرة، بل يتطلَّعوا إلى شرِّهم: "أما عندكم أنتم آثام للرب إلهكم... لأن حمو غضب الرب عليكم" [10-11].

ما حدث ليس لأجل برِّ إسرائيل وعدالة قلبه، وإنما لأجل إثم يهوذا، كما سبق فقال الرب على لسان موسى النبي وهم في الطريق للعبور ليُمَلِّكوا شعوبًا أكبر (تث 9: 1-5). لهذا يُحَذِّرنا الرسول بولس، قائلاً: "لا تستكبر، بل خف، لعل الله لا يشفق عليك أيضًا" (رو 11: 20-21).

وبَّخ عوديد النبي من ظَنُّوا أنهم منتصرون على الآتي:

1. وحشية قتل إخوتهم في ساحة الحرب، من منطلق الكراهية لإخوتهم، وبطريقة بربرية. "غضب الإنسان لا يصنع برّ الله" (يع 1: 20).

2. معاملتهم للمسبيين بعجرفة [10]، "أنتم عازمون على إخضاع بني يهوذا وأورشليم عبيدًا وإماء لكم". ربما كان في نيّتهم أن يقوموا ببيعهم عبيدًا للأمم الأخرى.

3. ذَكَّرهم بخطاياهم التي جلبت غضب الرب عليهم. "أما عندكم أنتم آثام للرب إلهكم؟" [10]. حَثَّهم على التوبة على خطاياهم، عوض الشماتة في إخوتهم والكراهية. حذَّرهم، لأن ما حَلَّ بيهوذا لسبب خطاياهم سيَحل بهم هم أيضًا يومًا ما.

وَالآنَ أَنْتُمْ عَازِمُونَ عَلَى إِخْضَاعِ بَنِي يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ عَبِيدًا وَإِمَاءً لَكُمْ.

أَمَا عِنْدَكُمْ أَنْتُمْ آثَامٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكُمْ؟ [10]

أَكَّد عوديد النبي لشعبه أن انتصارهم على يهوذا، إنما لتأديب يهوذا، وأن مركز الحُكْمِ الإلهي في يهوذا بكونه السبط المختار من الرب. وطالبهم أن ينظروا هم إلى آثامهم للرب [10]، وأن يرجعوا إليه. فالسيف الذي وجهه الرب ضد يهوذا يُوَجِّه إليهم هم أيضًا.

وَالآنَ اسْمَعُوا لِي، وَرُدُّوا السَّبْيَ الَّذِي سَبَيْتُمُوهُ مِنْ إِخْوَتِكُمْ،

لأَنَّ حُمُوَّ غَضَبِ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ. [11]

ثُمَّ قَامَ رِجَالٌ مِنْ رُؤُوسِ بَنِي أَفْرَايِمَ:

عَزَرْيَا بْنُ يَهُوحَانَانَ وَبَرَخْيَا بْنُ مَشُلِّيمُوتَ وَيَحَزْقِيَا بْنُ شَلُّومَ،

وَعَمَاسَا بْنُ حِدْلاَيَ عَلَى الْمُقْبِلِينَ مِنَ الْجَيْشِ [12]

جاء تحذير النبي بثمرٍ صالحٍ، فقد قبل أربعة من رؤوس أفرايم كلمات النبي عوديد بإيمانٍ، ووضعوا على عاتقهم ألا يزيد إسرائيل آثامه بسبيهم إخوتهم، وأثمر إيمانهم بالتوبة في قلوب الكثيرين، وأثمرت التوبة حبًّا عمليًا للإخوة المسبيين. بإيمان هؤلاء الأربعة أنقذوا مملكة إسرائيل من الدمار الكامل بسبب غضب الرب عليهم. قاموا باستقبال الجيش، لا ليكافئوهم على نصرتهم، إنما ليمنعوهم من الدخول بالمسبيين إلى السامرة، حتى لا يضيفوا إلى إسرائيل خطايا فوق خطاياهم.

لقد نظر الله إلى مذلة الشعب المسكين، وسمع صراخهم، وأعطاهم نعمة قُدَّام الذين سبوهم (مز 106: 44، 46).

وَقَالُوا لَهُمْ: لاَ تَدْخُلُونَ بِالسَّبْيِ إِلَى هُنَا،

لأَنَّ عَلَيْنَا إِثْمًا لِلرَّبِّ،

وَأَنْتُمْ عَازِمُونَ أَنْ تَزِيدُوا عَلَى خَطَايَانَا، وَعَلَى إِثْمِنَا،

لأَنَّ لَنَا إِثْمًا كَثِيرًا، وَعَلَى إِسْرَائِيلَ حُمُوُّ غَضَبٍ. [13]

إذ تكلم الرؤوس سمعوا لهم، وكان رد السبي بهذا الأسلوب من قبل الله.

فَتَرَكَ الْمُتَجَرِّدُونَ السَّبْيَ وَالنَّهْبَ أَمَامَ الرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الْجَمَاعَةِ. [14]

في طاعة للرؤساء قام رجال الجيش بترك المسبيين والغنائم التي جاءوا بها، بهذا أظهر رجال الجيش بطولة حقيقية بطاعتهم للسلطة، وتراجعهم عَمَّا كان في قلوبهم رغم ما يبدو من خسائر شخصية لكل واحدٍ منهم.

St-Takla.org Image: The city gates of Jericho were securely barred and no one went in or out of the city. The Israelites were camped nearby. (Joshua 6: 1) - [edited with ai art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org] - "Joshua and Jericho" images set (Joshua 6: 1-27): image (1) - Joshua, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media. صورة في موقع الأنبا تكلا: "وكانت أريحا مغلقة مقفلة بسبب بني إسرائيل. لا أحد يخرج ولا أحد يدخل" (يشوع 6: 1)، وكانت خيام شعب بني إسرائيل بجانبها [تعديل عن طريق فن الذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت] - مجموعة "يشوع وأريحا" (يشوع 6: 1-27) - صورة (1) - صور سفر يشوع، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا.

St-Takla.org Image: The city gates of Jericho were securely barred and no one went in or out of the city. The Israelites were camped nearby. (Joshua 6: 1) - [edited with ai art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org] - "Joshua and Jericho" images set (Joshua 6: 1-27): image (1) - Joshua, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "وكانت أريحا مغلقة مقفلة بسبب بني إسرائيل. لا أحد يخرج ولا أحد يدخل" (يشوع 6: 1)، وكانت خيام شعب بني إسرائيل بجانبها [تعديل عن طريق فن الذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت] - مجموعة "يشوع وأريحا" (يشوع 6: 1-27) - صورة (1) - صور سفر يشوع، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا.

وَقَامَ الرِّجَالُ الْمُعَيَّنَةُ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَخَذُوا الْمَسْبِيِّينَ،

وَأَلْبَسُوا كُلَّ عُرَاتِهِمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَكَسُوهُمْ وَحَذُوهُمْ،

وَأَطْعَمُوهُمْ وَأَسْقُوهُمْ وَدَهَّنُوهُمْ،

وَحَمَلُوا عَلَى حَمِيرٍ جَمِيعَ الْمُعْيِينَ مِنْهُمْ،

وَأَتُوا بِهِمْ إِلَى أَرِيحَا مَدِينَةِ النَّخْلِ إِلَى إِخْوَتِهِمْ.

ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى السَّامِرَةِ. [15]

نظر الله إلى مذلة المسبيين وصرخات قلوبهم، فأَعطاهم نعمة ليتكلم عوديد النبي، كمن بسلطانٍ. عُرِفَت مملكة إسرائيل في ذلك الوقت بمقاومتها لله نفسه ولأنبيائه، وكثيرًا ما اضطهدوا الأنبياء وقتلوهم. لكن هنا أطاع الرؤساء عوديد النبي، وسمع الجيش كله للرؤساء. ما قاموا به من اعتناء بالجرحى والمسبييين يُماثِل ما قاله السيد المسيح في مثل السامري الصالح (لو 10).

وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5. التجاؤه إلى أشور باطلاً

16 فِي ذلِكَ الْوَقْتِ أَرْسَلَ الْمَلِكُ آحَازُ إِلَى مُلُوكِ أَشُّورَ لِيُسَاعِدُوهُ. 17 فَإِنَّ الأَدُومِيِّينَ أَتَوْا أَيْضًا وَضَرَبُوا يَهُوذَا وَسَبَوْا سَبْيًا. 18 وَاقْتَحَمَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ مُدُنَ السَّوَاحِلِ وَجَنُوبِيَّ يَهُوذَا، وَأَخَذُوا بَيْتَ شَمْسٍ وَأَيَّلُونَ وَجَدِيرُوتَ وَسُوكُو وَقُرَاهَا، وَتِمْنَةَ وَقُرَاهَا، وَحِمْزُو وَقُرَاهَا، وَسَكَنُوا هُنَاكَ. 19 لأَنَّ الرَّبَّ ذَلَّلَ يَهُوذَا بِسَبَبِ آحَازَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ أَجْمَحَ يَهُوذَا وَخَانَ الرَّبَّ خِيَانَةً. 20 فَجَاءَ عَلَيْهِ تِلْغَثُ فِلْنَاسِرُ مَلِكُ أَشُّورَ وَضَايَقَهُ وَلَمْ يُشَدِّدْهُ. 21 لأَنَّ آحَازَ أَخَذَ قِسْمًا مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ وَمِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ وَمِنَ الرُّؤَسَاءِ وَأَعْطَاهُ لِمَلِكِ أَشُّورَ وَلكِنَّهُ لَمْ يُسَاعِدْهُ.

 

فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَرْسَلَ الْمَلِكُ آحَازُ إِلَى مُلُوكِ أَشُّورَ لِيُسَاعِدُوهُ. [16]

في ذلك الوقت تقريبًا، قبل غزو رصين وفقح ليهوذا، طلب آحاز معونة أشور، ولم يسأل من الرب آية (إش 7: 10-12). وثق في البشر، ولم يثق في الله. قَدَّم لأشور كل كنوز الملك ورجاله ومن بيت الرب أيضًا؛ افتقر ليكسب حماية تلغث فلاسر، لكن جاء الأشوري وضايقه ولم يُشَدِّده، ولم يساعده [20-21].

اتِّكاله على ذراع بشر دفعه إلى الاتِّكال على الآلهة الكاذبة [23]. ترك مذبح الله البسيط الكفَّاري، ولجأ إلى مذبح آلهة دمشق المزخرف. لقد ترك الإله الحيّ وارتدَّ عنه.

ما يدعو للعجب أن بعض رؤساء إسرائيل سمعوا لصوت الله خلال نبيِّه عوديد، والجيش سمع لصوت الرؤساء، أما آحاز الشرير فلم يَتَّعِظْ مما حلَّ عليه وعلى جيشه وشعبه من تأديب. عوض الرجوع إلى الله، التجأ إلى ملوك أشور لمساعدته.

لقد اقتدى آحاز بالكلدانيين الذين التجأوا إلى بناء مدينة لتخليد اسمهم، وبناء برج يصعدون فيه متى حلَّ طوفان مرة أخرى لتأديبهم.

فَإِنَّ الأَدُومِيِّينَ أَتُوا أَيْضًا، وَضَرَبُوا يَهُوذَا وَسَبُوا سَبْيًا. [17]

وَاقْتَحَمَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ مُدُنَ السَّوَاحِلِ وَجَنُوبِيَّ يَهُوذَا،

وَأَخَذُوا بَيْتَ شَمْسٍ وَأَيَّلُونَ وَجَدِيرُوتَ وَسُوكُو وَقُرَاهَا وَتِمْنَةَ،

وَقُرَاهَا وَحِمْزُو وَقُرَاهَا وَسَكَنُوا هُنَاكَ. [18]

لأَنَّ الرَّبَّ ذَلَّلَ يَهُوذَا بِسَبَبِ آحَازَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ

لأَنَّهُ أَجْمَحَ يَهُوذَا، وَخَانَ الرَّبَّ خِيَانَةً. [19]

ورد في (عا 1: 6، 9) المعاملة الرديئة التي قَدَّمها الفلسطينيون والفينيقيون الذين كانوا يبيعون اليهود المسبيّون (من مملكة الشمال) عبيدًا لبني أدوم.

فَجَاءَ عَلَيْهِ تَغْلَثَ فَلاَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ وَضَايَقَهُ وَلَمْ يُشَدِّدْهُ. [20]

جاء في السجلات الأشورية خضوع آحاز كملكٍ هزمه تغلث فلاسر.

لأَنَّ آحَازَ أَخَذَ قِسْمًا مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ وَمِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ وَمِنَ الرُّؤَسَاءِ،

وَأَعْطَاهُ لِمَلِكِ أَشُّورَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُسَاعِدْهُ. [21]

وضع آحاز ثقته في أشور لا في الله، وأرسل هدية عظيمة من ذخائر بيت الرب وبيت الملك ومن الرؤساء إلى ملك أشور، فقبلها أشور، ولم يُقَدِّم له أية مساعدة. لذلك قيل: "هكذا قال الرب: ملعون الرجل الذي يتَّكِلُ على الإنسان، ويجعل البشر ذراعه، وعن الرب يحيد قلبه" (إر 17: 5).

v يليق بنا أن نعتمد على الله وحده، وليس على أحدٍ غيره، حتى إن قيل إنه جاء من فردوس الله، كما يقول بولس: "إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيما" (غل 1: 8)[5].

العلامة أوريجينوس

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

6. التجاؤه إلى آلهة دمشق

وَفِي ضِيقِهِ زَادَ خِيَانَةً بالرَّبِّ (الْمَلِكُ آحَازُ هَذَا) [22]

 

غاية الضيقة التوبة والرجوع إلى الله، لكن آحاز في قسوة قلبه ازداد في خيانته لله، فقد فعل مثل أمصيا الذي سجد لآلهة الأمة المهزومة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

7. التجاؤه إلى آلهة أخرى

23 وَذَبَحَ لآلِهَةِ دِمَشْقَ الَّذِينَ ضَارَبُوهُ وَقَالَ: «لأَنَّ آلِهَةَ مُلُوكِ أَرَامَ تُسَاعِدُهُمْ أَنَا أَذْبَحُ لَهُمْ فَيُسَاعِدُونَنِي». وَأَمَّا هُمْ فَكَانُوا سَبَبَ سُقُوطٍ لَهُ وَلِكُلِّ إِسْرَائِيلَ. 24 وَجَمَعَ آحَازُ آنِيَةَ بَيْتِ اللهِ وَقَطَّعَ آنِيَةَ بَيْتِ اللهِ وَأَغْلَقَ أَبْوَابَ بَيْتِ الرَّبِّ، وَعَمِلَ لِنَفْسِهِ مَذَابحَ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ فِي أُورُشَلِيمَ. 25 وَفِي كُلِّ مَدِينَةٍ فَمَدِينَةٍ مِنْ يَهُوذَا عَمِلَ مُرْتَفَعَاتٍ لِلإِيقَادِ لآلِهَةٍ أُخْرَى، وَأَسْخَطَ الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِ.

 

وَذَبَحَ لآلِهَةِ دِمَشْقَ الَّذِينَ ضَارَبُوهُ وَقَالَ:

لأَنَّ آلِهَةَ مُلُوكِ أرام تُسَاعِدُهُمْ أَنَا أَذْبَحُ لَهُمْ فَيُسَاعِدُونَنِي.

وَأَمَّا هُمْ فَكَانُوا سَبَبَ سُقُوطٍ لَهُ وَلِكُلِّ إِسْرَائِيلَ. [23]

عبد آحاز آلهة دمشق (أرام)، لأنهم وهبوا الأراميين النصرة عليه [22-23]، فأراد أن ينال هو أيضًا النصرة بواسطتهم، ونسي أن هذه الآلهة عاجزة عن إنقاذ أرام من يد الأشوريين. (راجع إش 7: 13).

وَجَمَعَ آحَازُ آنِيَةَ بَيْتِ الله وَقَطَّعَهَا،

وَأَغْلَقَ أَبْوَابَ بَيْتِ الرَّبِّ،

وَعَمِلَ لِنَفْسِهِ مَذَابِحَ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ فِي أُورُشَلِيمَ. [24]

في جنون آحاز بالعبادة الوثنية، قطع آنية بيت الله، وأغلق أبواب بيت الرب، أي أبواب القدس وقدس الأقداس، فتوقَّفَت الخدمة تمامًا. وعمل لنفسه مذابح في كل زاوية في أورشليم. لقد منع الشعب من دخول بيت الرب، ودفعهم للعبادة الوثنية.

وَفِي كُلِّ مَدِينَةٍ فَمَدِينَةٍ مِنْ يَهُوذَا،

عَمِلَ مُرْتَفَعَاتٍ لِلإِيقَادِ لآلِهَةٍ أُخْرَى،

وَأَسْخَطَ الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِ. [25]

ما فعله كان عن عمدٍ كمن يتحدَّى الرب نفسه على مستوى كل المدن، وأغضب الرب إله آبائه.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

8. موت مُخزي

وَبَقِيَّةُ أُمُورِهِ وَكُلُّ طُرُقِهِ الأُولَى وَالأَخِيرَةُ،

مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. [26]

ثُمَّ اضْطَجَعَ آحَازُ مَعَ آبَائِهِ،

فَدَفَنُوهُ فِي الْمَدِينَةِ فِي أُورُشَلِيمَ،

لأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا بِهِ إِلَى قُبُورِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ.

وَمَلَكَ حَزَقِيَّا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [27]

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من وحي 2 أي 28

لتطرد كل خطية من قلبي، فأستريح بك!

v جلس آحاز على العرش،

وجاءت القيادات تخضع له.

حسب أنه ليس لأحدٍ حتى الله أن يحرمه من الملذَّات.

أعطى ظهره لعبادة الله،

وحسب الوصية الإلهية قيدًا لا يُحتمَل.

ظن في ملوك إسرائيل والملوك الوثنيين أنهم سعداء.

فتح قلبه للخطية، كي تنشأ وتترعرع فيه.

جذبت عليه فشلاً وخسائر ومرارة.

عوض الرجوع إلى مصدر الفرح،

أَصرَّ أن يندفع بالأكثر من خطيةٍ إلى خطيةٍ.

وانطلق من عبادة صنمٍ إلى صنمٍ آخر.

v دفع الخطية أن تتربَّع على عرش قلبه.

ففقد القلب سلامه الداخلي،

وانهار أمام أرام وإسرائيل.

عوض الرجوع إلى الله لينقذه،

ذبح لآلهة دمشق كي تسنده.

وظن أن ملك أشور قادر أن يُخَلِّصَه،

فسلب خزائن بيت الرب وبيت الملك وبيوت الرؤساء،

 وأعطاها له.

فقد كل شيءٍ في حياته، فصار بائسًا.

وفي موته لم يُدفَن في قبور الملوك!

v انزعْ عنِّي كل خطيةٍ وعصيانٍ،

فيستريح قلبي بك وفيك.

تتربَّع يا أيها القدوس على عرشك في قلبي،

وتُقِيم ملكوتك في داخلي.

وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ملحق اَلأَصْحَاحُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُينَ

لقطات سريعة من مقال[1]

تنشئة الأطفال والمجد الباطل

للقديس يوحنا الذهبي الفم

 

أهمية تربية الأطفال

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن ذبيحة الشكر التي يُقَدِّمها الآباء لله عن أطفالهم هي أن يقوموا بتربيتهم بما يُسر الله. فلا يضع الآباء في أذهانهم أنهم يقومون بهذا العمل، لكي يسروا الأطفال أو يبتهج والداهم أو بلدهم، بل يسروا أولاً الله نفسه (فصل 90). خلال هذه المَسرَّة يتمتع الكل بالسرور.

ميلاد الطفل هو بركة من عند الله، هبة يُقَدِّمها للوالدين، فيليق بهما أن يُكَرِّساه لله الذي يُحبَّانه ويعرفانه بكونه خالقهما وأباهما. بدون هذا لا يظهران حبهما لله. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم إن كل طفل يصير بالمعمودية والميرون والإفخارستيا ابنًا لله بالمسيح بواسطة الروح القدس الساكن فيه. فمسئولية الوالدين هي أن يبقى الطفل ابنًا لله، وأن يتبع وصايا المسيح وتعاليمه، وأن يجاهد في فضائل الحياة المسيحية. وقد قَدَّم الذهبي الفم نصائح للوالدين تساعدهما على نمو الطفل مع إزالة العقبات التي تواجه الطفل في نموه، مُقَدِّمًا الجوانب الإيجابية والسلبية.

قد يناسب هذا المقال مدينة أنطاكية في القرن الرابع، لكنه بالحق إذ يحمل فكرًا إنجيليًا، يناسب أيضًا العصر الحالي إلى حدٍ كبيرٍ.

تربية الأطفال عمل مقدس!

يتطلع الذهبي الفم إلى دور الآباء في تربية أطفالهم أنه عمل مقدس، يمارسه الآباء ليُقَدِّموا لله ذبائح شكر موضع سروره وبهجته. يؤكد أنه لا يطلب أن يمارس كل طفلٍ الحياة الرهبانية أو أن يُعد لها، إنما يُعَلِّم الآباء أبناءهم أن "يكونوا وقورين (في الرب) من شبابهم المُبَكِّر" (فصل 19).

إذ يدعوه عملاً مقدسًا، يجعل من الوالدين أن يقتربا إلى أطفالهما، لا منذ ولادتهم بل وهم في البطن كما إلى مقدسات إلهية، بروح التقوى، مسنودين بروح الله القدوس، ليُقَدِّموا لله ما يليق به. إنهم عطية الله، وكلاء عن هذه العطية الفائقة.

v أن يكون (للشخص) أطفال هذا يمس الطبيعة، أما تربيتهم وتعليمهم في الفضائل فهو أمر يخص الفكر والإرادة.

v لا أعني بالالتزام بالتنشئة ألا يُترَك الأطفال يموتون جوعًا فحسب، كما يقف كثيرون عند هذا الحد بخصوص أطفالهم، فإن هذا تُعلِنه الطبيعة نفسها كما بصوت عالٍ، ولا يحتاج إلى كتبٍ أو سننٍ لتعليمه. إنما ما أتكلم عنه هو الاهتمام بقلوب الأطفال والتقوى.

هذا واجب مقدس، من ينتهكه يرتكب بصورة ما جريمة قتل للأطفال.

v هذا الالتزام يخص الآباء كما الأمهات أيضًا.

يوجد آباء يضحون بكل شيءٍ، لكي يؤَّمِنون لأطفالهم معلمين للتمتُّع بالملذَّات، ويجعلون منهم ورثة أغنياء. أما أن يصير الأولاد مسيحيين ويمارسون التقوى، فلا يبالون كثيرًا بهذا.

يا للعمى الذي يُحسَب جريمة!

إنه إهمال سخيف، مسئول عن الارتباك الذي يجعل المجتمع في مرارةٍ.

لنفترض أنك تُعد لهم ممتلكات عظيمة. فإنهم إن كانوا يجهلون كيف يسلكون في حياتهم، فحتمًا لن تدوم هذه الممتلكات معهم. إنها ستتبدد، وتهلك مع أصحابها، ويصير ميراثًا غاية في الخطورة!

v سيكون أبناؤك في غِنَى بما فيه الكفاية على الدوام، إن تَقَبَّلوا منك تنشئة صالحة، قادرة أن تُدَبِّر حياتهم الأخلاقية وسلوكهم. هكذا ليتك لا تجاهد لتجعلهم أغنياء، بل لتجعلهم أتقياء، سادة على أهوائهم، وأغنياء في الفضائل.

عَلِّمهم ألا يُفَكِّروا في احتياجات مخادعة، فيحسبون أنهم يُكرمون حسب مستواهم الزمني (العالمي المادي). راقب بلطفٍ تصرُّفاتهم، ومعارفهم وأصدقاءهم، ولا تتوقَّع أية رحمة تحلُّ من عند الله إن لم تُتَمِّمْ هذا الواجب.

لتقتدوا بالآباء المهتمين بأبنائهم

v لتقتدوا بأيوب الذي كان يهتم باستمرار بأبنائه، وقَدَّمَ ذبائح لأجل الرحمة من أجل أي فعل خاطئ ربما ارتكبوه خفية (أي 1: 5).

لتقتدوا بإبراهيم الذي لم يشغل نفسه بطلب الغنى، مثل انشغاله بحفظ كل عضوٍ في بيته شريعة الله، والذي شهد الرب له. "لأني عرفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب ليعملوا برَّا وعدلاً" (راجع تك 18: 19).

إذ قارب داود من الموت، أراد أن يترك لسليمان ميراثًا أكيدًا، دعاه ليكرر على مسمعه التعاليم التالية الحكيمة: "لكي يقيم الرب كلامه الذي تكلم به عني قائلاً: إذا حفظ بنوك طريقهم، وسلكوا أمامي بالأمانة من كل قلوبهم، وكل أنفسهم، قال لا يُعدَم لك رجل عن كرسي إسرائيل" (1 مل 2: 4).

هذه أمثلة يلزمنا أن نقتدي بها في حياتنا حتى النفس الأخير.

 

نصائح للوالدين:

1. اختيار اسمه:

يرى القديس أن أول درس يُقَدِّمه الوالدان لطفلهما هو اختيار اسمه، فقد عالج هذا الموضوع في شيء من الإطالة، مُطالِبًا ألا يُدعى الطفل باسم أحد أفراد الأسرة، بل باسم أحد الشهداء أو الرسل أو الأساقفة (فصل 47). وكأنه أراد من الوالدين أن يُدرِكا أن طفلهما ينتسب للأسرة السماوية أكثر مما لهما أو لعائلتهما. فالطفل يعتز باسمه الذي ناله ليتشبَّه بالشهداء والرسل والأساقفة، مُقَدِّمًا قلبه بالكامل مُكرَّسًا للرب.

تتكون علاقة حب بين الطفل والقديس حامل اسمه في الرب، تنمو هذه العلاقة مع الزمن، ويود الطفل أن يتشبَّه به، ويطلب صلواته عنه، لكنه لا يصير صورة مطابقة له، لأن لكل مؤمن شخصيته الفريدة، إنه ابن فريد للرب![2]

بناء على هذه النصيحة يرى البعض أن أول هدية تُقَدَّم للطفل في عيد ميلاده (أو عماده) هي أيقونة القديس الذي يحمل الطفل اسمه. وإذا كان عيد القديس في يوم غير عيد ميلاد الطفل أو عماده، تقيم الأسرة احتفالاً بعيد القديس بكونه عيدًا خاصًا بالطفل حامل اسمه.

2. تعليمه الرضا والقناعة:

اهتم القديس بتوجيه الوالدين لطفلهما نحو الرضا والقناعة، وكما يقول الحكيم: "القليل مع مخافة الرب خير من كنزِ عظيم مع همٍ. أكلة من البقول حيث تكون المحبة، خير من ثورٍ معلوفٍ ومعه بغضة" (أم 15: 16-17).

3. توجيهه نحو الأسفار المقدسة:

يطالب القديس يوحنا الذهبي الفم الآباء أن يُوَجِّهوا أطفالهم إلى التمتُّع بالكتاب المقدس ودراسته. فالوالدان يجنيان أول ثمرة من هذا التوجيه، حيث يُدَرِّبهما الكتاب المقدس على الطاعة للوالدين، فيجد الوالدان في أبنائهما روح الوداعة والطاعة لهما.

ومن الجانب الآخر، يبدو أن بعض الآباء كانوا يخشون من اهتمام أبنائهم بالكتاب المقدس أن يميلوا إلى الحياة الرهبانية. لذلك يوضح القديس أن الأطفال الذين يعيشون في العالم متى نموا في القامة صاروا في حاجة إلى التدرُّب على كلمة الله أكثر من الرهبان، لأنهم يواجهون مواقف مثيرة وتجارب أكثر منهم. فإن كان كثيرون يهتمون بتعليم أبنائهم لينالوا مراكز سامية في القصر الملكي أو خلافه، يتعرَّضون لروح الكبرياء والعجرفة، فمن يستطيع أن يروضهم عن هذا الفكر؟ إنهم في حاجة إلى الكتاب المقدس أكثر من الرهبان لأجل ترويضهم.

v لما كان تقديم النصح للأبناء ضروريًا، يوجه الرسول خطابه إلى الآباء، قائلاً: "وأنتم أيها الآباء... ربوهم بتأديب الرب وإنذاره" (أف 6: 4).

أتريد أن يكون ابنك مطيعًا؟ ربِهِ من البداية على تعليم الرب وتهذيبه.

لا تظن أنه ليس من الضروري أن يصغي الطفل إلى الأسفار المقدسة، فإن أول ما يسمعه منها هو: "أكرم أباك وأمك" (خر 20: 12)، وفي الحال تبدأ تجني مكافأتك.

لا تقل إن الكتاب المقدس للرهبان، هل أريد أن أجعل ابني راهبًا؟ لا. ليس من الضروري أن يكون راهبًا. اجعله مسيحيًا!

لماذا تخاف من أمر صالحٍ؟ فإنه يليق بكل أحدٍ أن يعرف التعاليم الكتابية، وهذا أمر حقيقي لازم للأطفال...

لنُقَدِّم أنفسنا قدوة لهم، فنُعَلِّمهم منذ سنواتهم المُبَكِّرة أن يدرسوا الكتاب المقدس.

v مع من يتحدث الراهب؟ مع حوائط قلايته، أم مع بطانيته (غطائه)؟ مع الصحراء أم مع الشجيرات؟ مع التلال أم الأشجار؟ هكذا إنه ليس في حاجة إلى ذات التعليم بالرغم من الحقيقة أنه يصارع لكي يصير كاملاً في ذاته وليس أن يُعَلِّمَ الآخرين، بل يُعَلِّم نفسه.

ما هو الموقف بالنسبة للذين يعيشون في هذه الحياة (في العالم)؟ إنهم في حاجة ماسة إلى هذا التعليم، لأن الإنسان في العالم يواجه مصادر كثيرة للتجارب، أكثر من الراهب.

وإن أردتم أن تعرفوا، فإنه بمثل هذا التعليم يكون الشخص موضع السرور أكثر من الكل. يبدأ الكل يوقره، عندما يرونه أنه ليس بغضوبٍ، ولا بطالبٍ السلطة.

إذ تعرفون هذا، دَرِّبوا أبناءكم على معرفة الرب وإنذاره! وإن كان الإنسان فقيرًا فما الموقف؟... فإن هذا التعلُّم لن يسيء إليه، لأنه لا يخدم بين رجال الحاشية الملكية، بل بالعكس يصير موضع إعجاب الآخرين...

فإن كان المظهر الخارجي (للفلاسفة) وحده، ظل الفلسفة المجرد، يمكنه أن يرفع من شأن الإنسان، فماذا يُقَال عن الحب نحو الحكمة الحقيقية واهبة الاستنارة؟ أما يبدأ كل أحدٍ يحترم مثل هذا الإنسان؟

أما يثقون فيه دون تحفُّظ، فيأتمنونه على بيوتهم ونسائهم وأطفالهم؟

v اخبروني، أية أشجار هي الأفضل؟ ألسنا نُفَضِّل الأشجار القوية في الداخل، فلا تؤذيها عواصف الأمطار أو البَرَدْ أو عواصف الرياح أو أي نوع من الجو القاسي، بل تتعرَّض لهذا كله دون حاجة إلى أسوار أو حدائق تحميها؟ من يحب الحكمة بالحق يكون هكذا، ويكون له غناه الذي سبق لنا وصفه. ليس لديه شيء وهو يملك كل شيءٍ؛ لديه كل شيءٍ وليس لديه شيء.

السور لا يحمي القوة الداخلية، ولا يكون الحائط سندًا طبيعيًا، بل هما حماية صناعية... الإنسان الغني بالحق هو المحب الحقيقي للحكمة، لا يحتاج إلى شيءٍ من هذه الأمور، ولهذا ينصحنا الرسول الطوباوي أن نُرَبِّي أولادنا بتأديب الرب وإنذاره (أف 6: 4)...

v لنُرَبِّ أولادنا بإنذار الرب وتعليمه، فتكون لنا مكافأة عظيمة محفوظة لنا. فإن كان الفنانون الذين يصنعون تماثيل، ويرسمون صورًا للملوك، يصير لهم تقدير عظيم، ألا الله يبارك ربوات المرات الذين يعلنون ويزينون صورته الملكية (لأن الإنسان صورة الله)؟

عندما نُعَلِّم أولادنا أن يكونوا صالحين ولطفاء، ومسامحين (فإن هذه كلها سمات تُنسَب لله)، وأن يكونوا أسخياء، ويُحِبُّوا الناس زملاءهم، ويحسبوا هذا الزمن الحاضر كلا شيءٍ، فإننا نغرس الفضيلة في نفوسهم، ونعلن صورة الله فيهم. هذا إذن هو واجبنا: أن نُعَلِّمَ أنفسنا وأولادنا في تقوى، وإلا بماذا نجيب أمام كرسي المسيح للحكم؟ إن كان الإنسان الذي له أبناء عصاة لا يتأهَّل ليكون أسقفًا، فكيف يتأهَّل لملكوت السماوات؟

4. سَلِّمه في يدي الرب!

v لماذا ترفضون الاقتداء برجال ونساء العهد القديم القديسين؟ أخبروني! خاصة أنتن أيتها الأمهات، فلتفكرن في حنة كمثال، اُنظرن ماذا فعلت. لقد أحضرت ابنها الوحيد صموئيل إلى الهيكل حينما كان لا يزال طفلاً!

من منكن لا تريد أن يكون ابنها مثل صموئيل الذي هو أفضل من ملكٍ على العالم كله ربوات المرات؟ تقولين: "هذا مستحيل!، فإن ابني لن يكون عظيمًا هكذا مثله! لماذا هذا الأمر مستحيل؟ لأنكِ بالحقيقة أنتِ لا تريدين هذا. أودعيه في يدي ذاك القادر أن يجعله عظيمًا. ومن هو هذا؟ الله! أودعت حنة صموئيل في يدي الله.

لم يكن رئيس الكهنة عالي قادرًا بالحقيقة أن يُشَكِّلَه، فقد فشل في تشكيل ابنيه. إن إيمان الأم وغيرتها جعلا كل شيء ممكنًا. لقد كان ابنها البكر والوحيد. لم تكن تعرف هل سيكون لها ابن آخر غيره، ومع هذا لم تقل قط: "سأنتظر حتى يكبر، ويذوق مباهج العالم، على الأقل في صبوته". لا، فقد رفضت مثل هذه الأفكار كلها. كان لها هدف واحد، كيف استطاعت من البدء أن تُكَرِّسَ بهجة قلبها لله.

لتخجلوا أيها الرجال أمام حكمة هذه المرأة. لقد قَدَّمت صموئيل لله، وعند الرب تركته. بهذا تبارك زواجها بالأكثر، لأن غايتها الأولى هي الأمور الروحية. لقد كَرَّست بكر رحمها لله، فنالت بعد ذلك أبناء كثيرين. لقد رأت صموئيل مُكَرَّمًا حتى في هذه الحياة.

إن كان الناس يردون التكريم بالتكريم، أما يرده الله بالأكثر لمن يكرمه؟ إنه يعطي الكثير جدًا حتى لمن لا يكرمونه نهائيًا! إلى متى نبقى هكذا ككتل جسدية؟ إلى متى نلتصق بالأرض؟ ليصر كل شيءٍ في المرتبة التالية بعد اهتمامنا بأولادنا، فنربيهم في تعليم الرب وإنذاره (أف 6: 4).

5. اهتمام الله نفسه بتربية الأبناء:

يُحَدِّثنا القديس يوحنا الذهبي الفم عن اهتمام الله نفسه بتربية الأبناء، فإن هذه النفوس ثمينة في عينيه. فهو الذي خلق في الوالدين الأبوة والأمومة، خلال هذا الدافع "الوالدية" يشعر كل من الأب والأم بالالتزام بتربية الطفل. وضع الله في الناموس وصايا وشرائع تكشف عن اهتمامه بتربية الأبناء.

يرى الذهبي الفم أن من اهتمام الله بتربية الأطفال أنه طالب الأبناء بالطاعة للوالدين، ليُقَدِّم بنفسه المكافأة للمطيعين، ومن جانب آخر ليبعث في الوالدين اعتزازًا أكثر بأطفالهم. فالأطفال هم موضع اهتمام الله نفسه.

v يُعطِي الله نفسه اهتمامًا عظيمًا بتربية الأبناء. هذا هو السبب الذي لأجله وضع مثل هذا الانجذاب الطبيعي في الوالدين نحو أطفالهما، وذلك لكي يضع الوالدين في مركز يُلزِمهما برعاية أطفالهما بالضرورة. لقد شرع قوانين خاصة بهذا الاهتمام، وأسس أعيادًا تأمرنا أن نوضح معانيها. لقد لخص معنى الفصح في التعليم التالي: "وتخبر ابنك في ذلك اليوم قائلاً: من أجل ما صنع إليّ الرب، حين أخرجني من مصر" (خر 13: 8).

صنع نفس الأمر بخصوص الشريعة. فعندما تحدَّث عن البكر، أضاف مرة أخرى: "ويكون متى سألك ابنك غدًا قائلاً: ما هذا؟ تقول له: بيدٍ قوية أخرجنا الرب من مصر، من بيت العبودية. وكان لما تقسى فرعون عن إطلاقنا، أن الرب قتل كل بكرٍ في أرض مصر، من بكر الناس إلى بكر البهائم، لذلك أنا أذبح للرب الذكور من كل فاتح رحم، وأفدي كل بكرٍ من أولادي" (خر 13: 14-15). خلال هذا كله يأمره الله أن يقود أطفاله إلى معرفة الله.

حتى بالنسبة للأطفال أنفسهم أمرهم الله كثيرًا بخصوص الوالدين، مكافئًا المطيعين، ومجازيًا العاصين، حتى يجعلهم في موضع أكثر اعتزازًا عند الوالدين.

6. تقدير قيمة الطفل وقدراته

يتطلع القديس الذهبي الفم إلى الطفل في تقديرٍ عجيبٍ واعتزازٍ به، فيرى في الأطفال فلاسفة في تكوينهم، مصارعين في تداريبهم، ومواطنين يَتَشَكَّلون ويتهيأون للسكنى الأبدية في السماء (فصلا 38 و39). يرى فيهم ا قدرات عظيمة تتحقق خلال التداريب الجادة. يرى في الطفل مدينة ذات أبواب أو مداخل كثيرة. فالنفس يقطنها حُكَّام أو قضاة صالحون، وأيضًا أشرار غير موقرين. لذا يحتاج الطفل إلى نواميس تضبط التصرُّفات الخاطئة. فالتسيب يقود إلى دمار المدينة (فصول 23-26). أما أبواب المدينة التي تحتاج إلى حراسة، فهي الحواس الخمس: اللسان (التذوق والكلام) والنظر والشم واللمس والسماع (فصول 27-37).

7. التحذير من العقوبات البدنية!

حقًا يوضح القديس أن وضع قواعد للسلوك دون تحقيقها عمليًا تجعلها قواعد باطلة (فصل 26)، وأيضًا التهديد بالعقوبة دون التنفيذ لغو (فصل 30). فالتأديب والحزم أمران هامان، لكنه يحذر الآباء من استخدام العقوبات البدنية. ففي رأيه أن الأب الحكيم (أو الأم) يلزمه أن يكف عن الاستخدام المستمر للعقوبة البدنية، أو ما يدعوها بالعصا. فإن استخدام العصا يقود الطفل إلى الاستخفاف بها وعدم المبالاة بالعقوبة، كما لا تُوَلِّد فيه محبة الفضيلة. ليخشى الطفل العقوبة، لكن لا يسقط دومًا تحتها (فصل 30).

8. ليكن تعليم الطفل وتدريبه حسب قدراته

يرى القديس في قول الرسول: "لا تغيظوا أولادكم" (أف 6: 4؛ كو 3: 21) دعوة إلى عدم مطالبة الطفل بأكثر من قدراته وإمكانياته، فلا يليق المبالغة في تعليمه (فصل 52)، حتى لا يحل به الرعب.

9. التعليم بالقدوة

رَكَّز القديس على دور الوالدين كقدوة في حياة أبنائهما، وإذ يطلبان منهم أن يكونوا فلاسفة ومصارعين ومواطنين سمائيين، يليق بالوالدين أن يكونا هكذا حتى يَتَمَثَّلَ بهما أبناؤهم عمليًا.

10. الاهتمام بمن لهم تأثير على الطفل

يؤكد القديس ضرورة اهتمام الوالدين بالتدقيق في اختيار من لهم تأثير على أبنائهما، فلا يسمحان لمن يلتصق بهم أن يروي لهم قصصًا تافهة وخزعبلات، بل يسمع أبناؤهما قصصًا من الكتاب المقدس بطريقة مُبهِجة، مع إعطاء الفرصة للحوار والنقاش. هذا ولا يليق تجاهل الحديث عن الجانب التأديبي من قبل الرب للأشرار مع توضيح محبة الله لنا. بهذا يلزم التدقيق في اختيار مربية الأطفال.

11. الاهتمام بتقديس حواس الطفل

لم يتكلم عن حاسة الشم كثيرًا، إلا أنه أكد ألا يبالغ الوالدان في الروائح العطرة، فإن غاية الأنف أن تستنشق الهواء لصالح الجسم، لا أن تتنعم بالروائح العطرة. يرى البعض أن هذا الأمر تافه، لكن القديس يؤكد ما هو خلاف ذلك (فصل 54).

12. نقاوة القلب

ركَّز القديس على اهتمام الوالدين بتوجيه طفلهما نحو نقاوة القلب الداخلي، فيُعَلِّمانه المحبة وطول الأناة خاصة مع الخدم (فصول 66-69)، ومع إخوته الأصغر منه (فصل 74)، وأن يعامل الخدم كأخوة له (فصل 72).

13. العفة والطهارة في حياة أبنائنا

يطالب القديس الوالدين ألا يسمحا لطفلهما بالذهاب إلى المسارح، حتى لا يتسلل الانحلال الجنسي إليه (فصل 77). هذا من الجانب السلبي، أما من الجانب الإيجابي فيليق بهما مساندته بحفظ صوم يومي الأربعاء والجمعة ليتمتع بحياة الطهارة والعفة.

يطالبهما أن يشجعاه على الزواج المبكر بعد أن يتمتع بالحياة الناضجة المستقيمة لحفظ طهارته.

14. أولوية الحكمة في تربية الأبناء

يبرز القديس أهمية دور الوالدين في تمتُّع الطفل بالحكمة التي تهبه ضبط النفس (فصل 85)، وتقدم له مفاهيم سليمة للثروة والشهرة والقوة، حيث تزرع في قلبه مخافة الرب (فصل 85)، ويشتهي السماويات لا الأرضيات. بالحكمة يكون مواطنًا صالحًا يمارس الشئون السياسية دون أن يخطئ (فصل 89).

v إن علمناهم من البداية حُبَّ الحكمة الحقيقية، ستكون لهم ثروة أعظم وأفضل مما يجلبه الغنى.

إن تَعَلَّم طفل التجارة أو نال تعليمًا عاليًا في مهنة مُربِحة للغاية، فإن هذا كله يُحسَب كلا شيءٍ إن قورن بفن التخلي عن الغنى. إن أردت أن تجعل طفلك غنيًا عَلِّمه هذا. يكون بالحقيقة غنيًا، ذاك الذي لا يشتهي الممتلكات العظيمة، ولا يحيط نفسه بالثروة، بل لا يطلب شيئًا!

v لا تسأل كيف يمكنه أن يَتَمَتَّع بعمرٍ طويلٍ هنا، بل كيف يَتَمَتَّع بحياة أبدية لا نهائية في الحياة العتيدة. قَدِّمْ له الأمور العظيمة، لا التافهة. لا تُجاهِد لتجعل منه خطيبًا بارعًا، بل عَلِّمه أن يحب الحكمة الحقيقية. إنه لا يعاني من شيء إن كانت تنقصه كلمات بارعة، لكن إن نقصته الحكمة، فإن كل بلاغة العالم لا تقدر أن تُعِينَه...

لست أقصد أن التعليم الزمني بلا قيمة وأن نتجاهله، وإنما يلزم ألا نرتبك به في مبالغة!

15. حفظهم من العادات الوثنية

أشار القديس يوحنا الذهبي الفم في مقاله هذا إلى ضرورة حفظ الأطفال من العادات الوثنية. هذه الوصية لازالت لها أهميتها في هذا الجيل بطريقٍ أو آخر. فإننا نلاحظ ما قد تَسلَّل إلى الكنيسة في الغرب مثل فكرة Santa Claus الذي يُقَدِّم الهدايا في عيد الميلاد المجيد Christmas، وأرنب القيامة Easter Bunny، حتى كاد هذا الأمر يقضي على المفهوم الروحي لعيدي الميلاد والقيامة (الفصح المسيحي)، وقد بدأ يتسلَّل الأمر ذاته إلى الشرق.

يليق بنا في عيد الميلاد التركيز على ميلاد السيد المسيح كهبة قَدَّمها الآب للبشرية مع توضيح أن قصة Santa Claus مستوحاة عن شخصية القديس نيقولاوس المُحِب للعطاء.

أما في عيد القيامة فنهتم أن نُقَدِّمَ في أحد الشعانين السعف مع عمل صلبان وقلوب منها، وتوضيح دخول السيد المسيح إلى قلوبنا، أورشليم الداخلية، وتأكيد عمل الفداء والخلاص للعالم كله.

16. عدم بث مفاهيم خاطئة في أذهان الأبناء

يُحَذِّر القديس الآباء من إعطاء أسماء لامعة لأخطاء جسيمة وتصرُّفات غير لائقة، مما يُفسِد حياة الأبناء ويدفعهم إلى الانحلال والتسيُّب.

v إنه لأمر شرير بما فيه الكفاية أن تحث أبناءك على ممارسة ما هو ضد وصايا المسيح، بل وتُلبِس هذه الممارسات قناعًا تحت أسماء برّاقة.

فتدعو حضور سباقات الخيل والمسارح بصورة مستمرة "حياة اجتماعية". واقتناء الغنى "حرية". والتهور "انفتاحًا". والإسراف والتبذير "ممارسة إنسانية". والظلم "رجولة".

وكأن هذا الخداع ليس فيه الكفاية فتدعو الفضائل بأسماء مهينة، فالاحتشام تدعوه "نقصًا في التعليم"، والوداعة "جبنًا"، والعدالة "ضعفًا"، والتواضع "خنوعًا"، وعدم الغضب "عجزًا". وكأنك تخشى أن يسمع ابنك الأسماء الحقيقية للفضائل والرذائل، فيهرب من الفضائل بكونها وباءً...

وما هو أشر أنك تحثهم على فعل الشر، ليس فقط بكلماتك بل وبأفعالك... التي تظلم نفوسهم... إنك تبذل كل الجهد لكي تمدَّ ابنك بخادمٍ وفرسٍ ومَلْبَسٍ فاخرٍ، لكنك لا تريد أن تفكر أن يكون هو نفسه صالحًا. لا، إنك تهتم بالصخور والأشجار، ولا تعطي أدنى اهتمام للنفوس. تفعل كل شيء لتطمئن أن يوجد تمثال جميل وسقف ذهبي لبيتك، أما النفس التي هي أثمن من كل التماثيل الذهبية، فليس لها اعتبار لديك...

عندما ترى ابنك مريضًا في الجسد، لا تحتاج إلى من يسألك لكي يكون في صحة جسمية كاملة وقوية. على العكس، فإنك تستخدم كل وسيلة حتى يصير جسمه في صحة جيدة ولا يعود إليه المرض ثانية. لكن عندما تكون نفوس الأبناء مريضة، يقولون إنهم ليسوا في حاجة إلى علاجٍ، وبعد هذا يتجاسرون ويدعون أنفسهم آباء!

17. اهتم بخلاص أولادك!

v إننا لا نبخل عن بذل كل جهدٍ واستخدام كل وسيلة لتعليم أطفالنا العلوم الزمنية، حتى يخدمون السلطات الزمنية حسنًا. أما معرفة الإيمان المقدس وخدمة الملك السماوي، فهي أمور ليست بذات قيمة عندنا. نسمح لهم بحضور المسارح، ولا نهتم بذهابهم إلى الكنيسة والوقوف فيها بوقارٍ. إن كنا نحاسبهم عما تعلموه في المعاهد العالمية، فلماذا لا نسألهم عن ما سمعوه في بيت الرب؟

18. الاهتمام بتعليم الأبناء وتدبير الأمور الزمنية

تركيز القديس على الحكمة السماوية وتدريب الأبناء خلال كلمة الله لا يعني تجاهل تعليم الأبناء بالعلوم الزمنية وتدبير الأمور الزمنية لهم.

v تقول: "ماذا؟ هل نطلب الحكمة ونترك كل ما هو أرضي؟" لا، أيها المكرمون جدًا، فإن هذا ليس فيه حب للحكمة، بل نقص لها، مما يُدَمِّر كل شيء ويفسده.

19. تشجيع الأبناء على التكريس

كما أن الآباء القديسين يسندون أبناءهم، وتبقى بركة هؤلاء الآباء تسند أحفادهم إلى أجيال كثيرة، هكذا الأبناء القديسون الذين يُكَرِّسون قلوبهم وحياتهم يكونون سندًا لآبائهم. فمن أجل داود النبي بارك الرب ابنه سليمان وبعض أحفاده كحزقيا الملك، وأيضًا كان صموئيل النبي الذي جاء ثمرة صلوات أمه هو سرّ بركة أيضًا لأمه.

v لنسمح لأبنائنا أن يخدموا الله. نقودهم ليس فقط إلى الهيكل كما حدث مع صموئيل، وإنما إلى السماوات عينها ليخدموا معًا مع الملائكة ورؤساء الملائكة. فإنه يُمكِن لأي شخص أن يرى ذاك الذي يكرس حياته لمحبة الحكمة بالحق سيخدم مع الملائكة. لهذا فإن مثل هؤلاء الأبناء يقفون بدالة عظيمة ليس عن أنفسهم فقط، وإنما أيضًا عنا نحن.

فإن كان بعض الأبناء ينالون عونًا من الله من أجل آبائهم، فبالأكثر يمكن للآباء أن ينالوا عونًا من أجل أبنائهم. ففي الحالة الأولى يأتي العون من خلال الطبيعة، أما في الحالة الثانية فيأتي العون من خلال التربية، التي هي أهم بكثير من الطبيعة. إنني آتي إليكم ببراهين من الكتاب الإلهي.

لم تكن لحزقيا الملك الفاضل التقي دالة بأعماله ليواجه الخطر العظيم الذي هَدَّده، فقد خلص بواسطة الله من أجل فضيلة أبيه كما قال الله نفسه: "سأدافع عن هذه المدينة كدرع، من أجلي، ومن أجل عبدي داود" (2 مل 19: 34).

يقول بولس في رسالته إلى تيموثاوس عن الأمهات: "ولكنها (الأم) ستخلص بولادة الأولاد، أن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقُّل" (1 تي 2: 15).

يمتدح الكتاب المقدس أيوب، لأنه كان مستقيمًا بلا عيب، بارًا وتقيًا ويحيد عن الشر (أي 1: 1) كما أيضًا لأجل اهتمامه بأبنائه (أي 1: 5).

20. رَبِّ ابنك فلا يُرَبِّيه الزمن!

v إن جاهد الآباء الصالحون ليُقَدِّموا لأبنائهم تربية صالحة، لا نحتاج إلى شرائع وقضاة ومحاكم ولا إلى عقوبات. فإن الذين يُنَفِّذون العقوبات، إنما وُجدوا بسبب عدم وجود أخلاقيات فينا.

21. جريمة الإهمال في تربية الأبناء

كثيرًا ما حَذَّر الذهبي الفم الوالدين من الإهمال في تربية أبنائهما، مُظهِرًا مدى خطورة هذه الخطية التي يحسبها أحد الخطايا الخطيرة للغاية، فلم يتردَّد عن أن يدعوها قتلاً للأطفال.

v لنفترض أنك تتمم وصايا الناموس في كل الأمور الأخرى، لكنك غير أمين في هذه الوصية الواحدة، فإنك تُعاقَب بشدةٍ. أصغ إلى هذا من خلال تاريخ الشعب القديم. فإنك ترى أية عقوبة مُرعِبة حَلَّت على الآباء الذين أهملوا في تربية أبنائهم.

كان بين اليهود كاهن موقر بسبب شخصيته الوديعة، اسمه عالي. كان لهذا الكاهن ابنان سَلَّما نفسيهما لكل رذيلة. لم يُبالِ الأب بهذا الأمر، بل استخفَّ به، وقد تعدَّى فسادهما الحدود فانتهرهما، لكن ليس بحماسٍ لائق وسلطان. كان يلزم أن يعاقبهما بحزمٍ شديدٍ حتى يوقف هذا الاعتداء. لم يفعل شيئًا من هذا. إنما اكتفى بتقديم نصيحة، قائلاً: "لماذا تعملون مثل هذه الأمور؟ لأني أسمع بأموركم الخبيثة من جميع هذا الشعب" (1 صم 2: 24). هل هذا هو ما كان يجب أن يقوله؟ لقد عصيا ذاك الذي هما مدينان له بوجودهما، ومع هذا لازال يقبلهما كعضوين في أسرته. كانت نصيحته باطلة بلا نفع. لا، بل كان يلزمه أن يرعبهم، ليقتلع هذا العمى من قلبيهما.

يا لها من نصيحة باطلة! لم يكن ابنا عالي ينقصهما مثل هذه النصيحة. إنها كلمات بلا فائدة! يا لها من وداعة أثيمة، بها صارا ضحيتين!

لقد بدأت الحرب، وصار البائسان غنيمتين للأعداء. وإذ علم الأب عما حلّ بهما من نكبةٍ سقط على الأرض، وانكسرت رقبته ومات (ا صم 4: 18)! لقد قُلْتُ لكم حالاً إن الآباء الذين لا يهتمون بتربية أبنائهم في نشأة مسيحية هم قتلة لأبنائهم. أليست هذه حقيقة؟!

من ينبغي أن يلومه عالي بسبب موت ابنيه؟ يلزمه أن يلوم نفسه! حقًا إن سيف العدو قتلهما، لكن إهمال أبيهما الباطل هو الذي صوَّب ضدهما الضربة. إذ فارقهما العون السماوي ظهرا عريانين أمام سهام الفلسطينيين. لقد دمَّر الأب نفسه ودَمَّرهما. غير أننا نرى ذات الأمر أمامنا يوميًا. كم من آباء لا يريدون أن يأخذوا على عاتقهم هذا العمل بإصلاح عقوق أبنائهم وجموحهم؟

إنهم كمن يخشون مضايقة أبنائهم، لئلا بسلطان الكلمات القاسية يسيطرون على الميول الفاسدة. وما هي النتيجة؟ يزداد اعتلالهم، وتقودهم حصانتهم من العقوبة إلى ارتكاب معاصٍ جنائية. ينقادون إلى المحاكم، ويموت هؤلاء البائسون على أيدي المعاقبين.

أنتم ترفضون حقوقكم الشخصية عليهم، فتدفعون بهم إلى عقوبات مدنية، وتقتص العدالة البشرية حقها العنيف منهم.

أنتم تخشون إهانتهم بعقوبة خفيفة في حضوركم، ولكن أية إهانة مُرعِبة تحل عليكم، عندما لا يعود يرى الأب ابنه حوله، والذين يتهمونه يلاحقونه في كل موضع، ولا يجسر بعد أن يظهر في أي مكان!

v الإهمال في تربية الأبناء هو أحد الخطايا العظمى. هو أعلى درجات عدم التقوى...

إن لم نهتم بخلاص أولادنا، نسقط تحت أقسى أنواع العقوبة. أنتم تعرفون قصة عالي رئيس الكهنة الواردة في الأسفار المقدسة. كان شيخًا مسنًا، كاهنًا معروفًا، حكم الأمة اليهودية بلا خطأ لمدة عشرين عامًا، عاش في وقتٍ لا يحتاج إلى حزمٍ شديدٍ في الحياة. ومع هذا لم يستطع أن يُبَرِّرَ نفسه، بل على العكس، هلك بطريقة مُرعِبة في كارثة، لأنه لم يهتم بسلوك ابنيه كما ينبغي. حُسِبَ ذنب إهماله، خطأ فادحًا غطى على كل سمات عالي وأعماله الصالحة. فكم تكون دينونتنا نحن الذين نعيش في عهد مملوء بالأكثر بحب الحكمة، ولسنا نمارس فضائل عالي؟

v لا يأتي فساد الأطفال من فراغ، بل من الجنون الذي يلحق بالآباء نحو الاهتمامات الأرضية. الاهتمام بالأرضيات وحدها، واعتبار كل شيء غيرها ليس بذي قيمة، يدفعهم لا إراديًا نحو إهمال نفوس أطفالهم.

أقول، إن هؤلاء الآباء (ولا يظن أحد أن هذه الكلمات تتولد فيّ عن غضب)، أشر من قتلة الأبناء. الأول يفصل الجسم من النفس، أما الآخر فيطرح كليهما معًا في نيران جهنم.

الموت أمر محتم حسب النظام الطبيعي، أما المصير الثاني، فيُمكن للآباء تجنبه لو لم يؤدِ إهمال الآباء إليه.

الموت الجسماني يمكن أن ينتهي في لحظة بالقيامة حينما تحل، لكن لا توجد مكافأة تنتظر النفس المفقودة. إنها لا تنعم بالقيامة، بل تعاني آلامًا أبدية.

هذا يعني أنه ليس بغير عدلٍ ندعو هؤلاء الآباء أشر من قتلة الأبناء.

إنه ليس بالأمر القاسي أن تسن سيفًا، وتمسك به باليد اليمنى، لتغرسه في قلب طفلٍ مثلما أن تُحَطِّمَ النفس وتذلها، فإنه ليس من شيءٍ يعادل النفس.

22. يهيِّئهم للزواج المقدَّس

يبدو كما رأينا أن البعض كانوا يخشون على أولادهم من دراسة الكتاب المقدَّس لئلاَّ يعشقوا الحياة الرهبانية الزاهدة، فأوضح لهم القدِّيس أن الإنسان الذي يعيش في العالم - إن صحت العبارة – أكثر احتياجًا إلى كلمة الله لكي تُهَذِّبَه وتقدِّسه، فيحيا مقدَّسًا وناجحًا في حياته وفي معاملاته مع الغير. الآن يؤكد القدِّيس حاجة الأبناء إلى التربية المقدسة لتهيئتهم للزواج المقدَّس.

v إن وضعنا حدودًا (للأبناء) في سنٍ مبكرٍ، فلا نحتاج بعد إلى مجهودٍ عظيمٍ هكذا، بل بالعكس يصير ذلك عادة وقانونًا لهم. لا نسمح لهم أن يمارسوا ما فيه لذَّة، وفي نفس الوقت ضار، لن نسرُّهم لمجرد أنهم أطفال، فإن هذا يضرهم أكثر من أي شيء وهم شباب...

لنأخذ لهم زوجات في سنٍ مبكر، حتى يتحدوا مع عرائسهم بأجسام طاهرة غير فاسدة...

من كان عفيفًا قبل الزواج هكذا يكون بعد الزواج. أما الذين تعلَّموا الزنا قبل الزواج، فيفعلون ذات الأمر بعده. مكتوب في الأسفار الإلهية "كل خبزٍ حلو للزاني" (سيراخ 23: 17). لهذا السبب يوضع تاج على الرأس (في الهيكل)، علامة النصرة، أنهما داخلان إلى حجال العرس غير منهزمين، ولا مقهورين بالشهوة.

أما من ينكب على محبة اللذة، مُسَلِّمًا نفسه للزواني، فما الحاجة لأن يوضع التاج على رأسه حيث أنه منهزم؟ لنغرس هذا فيهم، ولنعلِّمهم ذلك، ونهددهم بكل الطرق.

 _____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[2] Josephus: Antiq.9:8:3.

[3] عظات العلامة أوريجينوس على سفر القضاة: العظة السابعة، 1. ترجمة الشماس بيشوي بشرى فايز.

[4] عظات العلامة أوريجينوس على سفر القضاة: العظة السابعة، 2. ترجمة الشماس بيشوي بشرى فايز.

[5] In Gen. hom. 2:3.

 

[1] سبق نشره بتصرف في كتاب الحب الأخوي، ج 3، الحب العائلي، فصل 7.

[2] Kathleen Haverlack: Using Saint John Chrysostom’s Views to Raise Children in the Orthodox Faith.

 

 

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات أخبار ثاني: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/14-Sefr-Akhbaar-Al-Aiam-El-Thane/Tafseer-Sefr-A5bar-AlAyam-Al-Thany__01-Chapter-28.html

تقصير الرابط:
tak.la/86qg2mw