St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   fr-angelos-st-makarios  >   judges
 
St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   fr-angelos-st-makarios  >   judges

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنجيلوس المقاري

القضاة 5 - تفسير سفر القضاة

 

* تأملات في كتاب قضاة:
تفسير سفر القضاة: مقدمة سفر القضاة | القضاة 1 | القضاة 2 | القضاة 3 | القضاة 4 | القضاة 5 | القضاة 6 | القضاة 7 | القضاة 8 | القضاة 9 | القضاة 10 | القضاة 11 | القضاة 12 | القضاة 13 | القضاة 14 | القضاة 15 | القضاة 16 | القضاة 17 | القضاة 18 | القضاة 19 | القضاة 20 | القضاة 21

نص سفر القضاة: القضاة 1 | القضاة 2 | القضاة 3 | القضاة 4 | القضاة 5 | القضاة 6 | القضاة 7 | القضاة 8 | القضاة 9 | القضاة 10 | القضاة 11 | القضاة 12 | القضاة 13 | القضاة 14 | القضاة 15 | القضاة 16 | القضاة 17 | القضاة 18 | القضاة 19 | القضاة 20 | القضاة 21 | القضاة كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإصحاح الخامس

 

[1- فَتَرَنَّمَتْ دَبُورَةُ وَبَارَاقُ بْنُ أَبِينُوعَمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَائِلَيْنِ:. 2- «لأَجْلِ قِيَادَةِ الْقُّوَادِ فِي إِسْرَائِيلَ, لأَجْلِ انتدابِ الشَّعْبِ, بَارِكُوا الرَّبَّ. 3- اِسْمَعُوا أَيُّهَا الْمُلُوكُ وأصغوا أَيُّهَا الْعُظَمَاءُ. أَنَا, أَنَا لِلرَّبِّ أَتَرَنَّمُ. أُزَمِّرُ لِلرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ. 4- يَا رَبُّ بِخُرُوجِكَ مِنْ سَعِيرَ, بِصُعُودِكَ مِنْ صَحْرَاءِ أَدُومَ, الأَرْضُ ارْتَعَدَتِ. السَّمَاوَاتُ أَيْضًا قَطَرَتْ. كَذَلِكَ السُّحُبُ قَطَرَتْ مَاءً. 5- تَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ, وَسِينَاءُ هَذَا مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ. (قض 1:5-5). ]

 

إن تمجيد الله بترنيمة هو تعبير طبيعي جدًا عن الابتهاج: "أمسرور أحد فليرتل" فالفرح المقدس هو روح وأصل التمجيد والشكر. ومن ناحية أخرى فإن تأليف الترنيم هو وسيلة ملائمة جدًا لدوام تذكار الأحداث العظيمة. سيعلّم الناس هذه الترنيمة لبعضهم البعض وسيتعلمها الأبناء من والديهم وهكذا جيل بعد جيل يسبح بأعمال الله ويخبر بجبروته (مز4:145).

إن دبورة نفسها كتبت هذه الترنيمة كما يتضح ضمنًا من (ع7). فهي استخدمت مواهبها كنبية في تأليف الترنيمة والنغمة (أو اللحن) على مدى الترنيمة جميل وسامي، والصور التصويرية حيّة والتعبيرات رائعة ويوجد فيها مزج يثير الإعجاب من العذوبة والعظمة.

St-Takla.org Image: The song of salvation (Judges 5:1-31) صورة في موقع الأنبا تكلا: أغنية الخلاص (القضاة 5: 1-31)

St-Takla.org Image: The song of salvation (Judges 5:1-31)

صورة في موقع الأنبا تكلا: أغنية الخلاص (القضاة 5: 1-31)

يمكننا أن نفترض أنها استخدمت سلطانها كرئيسة في إلزام جيش إسرائيل المنتصر بتعلم وإنشاد هذه الترنيمة. لقد كان لها الدور الأول في إشعال فتيلة المعركة والآن هي السباقة أيضًا في تقديم الشكر لله.

وهي تبتدئ بهللويا عامة: سبحوا أو باركوا الرب (ع2). إن هدف الترنيم هو إعطاء المجد لله، ولهذا وضعت مباركة الرب في الأول لتشرح وتوجه كل ما تلاها كمثل الطلبة الأولى من الصلاة الربانية "ليتقدس اسمك".

وقد ذكرت سبب مباركة الرب هنا وهو لأجل أن الله أقام قوادًا لإسرائيل وأعطاهم القدرة على حسن القيادة، ولأجل أنه جعل الشعب يذهب طواعية للحرب ضد الأعداء.

بعد ذلك تنادي دبورة النبية عظماء العالم الذين يجلسون في أقصى المسكونة أن ينضموا لها في ترتيلها ويصغوا لموضوعها: اسمعوا أيها الملوك وأصغوا أيها العظماء: هي تود أن تجعلهم يعرفون أن الخيول والمركبات أشياء باطلة لا تجلب الآمان، وتود منهم أن ينضموا إليها في تسبيح إله إسرائيل ويتوقفوا عن تمجيد آلهتهم المزيفة فيما بعد. بل وتريدهم أن يأخذوا عبرة من مصير سيسرا ولا يتجاسروا على إهانة شعب الله.

تتطلع دبورة لظهورات الله في الماضي وتقارن بهذا الذي حدث لهم، إذ ما يعمله الله الآن معنا عليه أن يذكّرنا بما قد فعله من قبل، لأن الله هو، هو أمس واليوم وإلى الأبد: "يا رب بخروجك من سعير، بصعودك من صحراء أدوم.. تزلزلت الجبال من وجه الرب، وسيناء هذا من وجه إله إسرائيل" وأما ما حدث في سيناء عندما نزل الله على ذلك الجبل وما صاحب ذلك من ظواهر غير عادية فهو مذكور في (خر19)، ولكن لم يسجل لنا الكتاب شيئًا عما ورد في (ع4) ولكن يمكننا أن نستشف أنه مع صعود بني إسرائيل عربات موآب للضفة الشرقية للأردن وقبل ملاقاة سيحون وعوج، تقدم الله أمام شعبه ليحارب عنهم أعدائهم وذلك بطريقة محسوسة كما لو كان قادمًا من سعير وصاعدًا من صحراء أدوم، فتجلى هذا بأن ارتعدت الأرض وأصابها زلزال وهطول مطر فجأة بطريقة تبين يد الله في الأمر، وهذا جعل الثقة والطمأنينة تكون في بني إسرائيل والخوف والرعب يدب في قلب الأعداء ويجعلهم يخورون، سواء كانوا في شرق الأردن أو غربه. ومن هنا يمكن القول أن ما ورد هنا كان محفوظًا في التقليد الكنسي اليهودي أو ذاكرة الشعب ومعروفًا لديه، الأمر الذي يعزز فكرة ضرورة التمسك بالتقليد الكنسي واحترام ما ورد فيه.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: From that time on Israel became stronger and stronger until they finally destroyed King Jabin and lived in freedom. Deborah wrote a victory song which they sang in celebration (Judges 5). There was peace in the land for the next 40 years. (Judges 4: 23-24; 5: 1) - "Deborah and Barak go into battle" images set (Judges 4 - Judges 5): image (19) - Judges, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "فأذل الله في ذلك اليوم يابين ملك كنعان أمام بني إسرائيل. وأخذت يد بني إسرائيل تتزايد وتقسو على يابين ملك كنعان حتى قرضوا يابين ملك كنعان. فترنمت دبورة وباراق بن أبينوعم في ذلك اليوم" (القضاة 4: 23-24؛ 5: 1) - مجموعة "ذهاب دبورة وباراق إلى الحرب" (القضاة 4 - القضاة 5) - صورة (19) - صور سفر القضاة، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: From that time on Israel became stronger and stronger until they finally destroyed King Jabin and lived in freedom. Deborah wrote a victory song which they sang in celebration (Judges 5). There was peace in the land for the next 40 years. (Judges 4: 23-24; 5: 1) - "Deborah and Barak go into battle" images set (Judges 4 - Judges 5): image (19) - Judges, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "فأذل الله في ذلك اليوم يابين ملك كنعان أمام بني إسرائيل. وأخذت يد بني إسرائيل تتزايد وتقسو على يابين ملك كنعان حتى قرضوا يابين ملك كنعان. فترنمت دبورة وباراق بن أبينوعم في ذلك اليوم" (القضاة 4: 23-24؛ 5: 1) - مجموعة "ذهاب دبورة وباراق إلى الحرب" (القضاة 4 - القضاة 5) - صورة (19) - صور سفر القضاة، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

[6- «فِي أَيَّامِ شَمْجَرَ بْنِ عَنَاةَ, فِي أَيَّامِ يَاعِيلَ, اسْتَرَاحَتِ الطُّرُقُ, وَعَابِرُو السُّبُلِ سَارُوا فِي مَسَالِكَ مُعْوَجَّةٍ. 7- خُذِلَ الْحُكَّامُ فِي إِسْرَائِيلَ. خُذِلُوا حَتَّى قُمْتُ أَنَا دَبُورَةُ. قُمْتُ أُمًّا فِي إِسْرَائِيلَ. 8- اِخْتَارَ آلِهَةً حَدِيثَةً. حِينَئِذٍ حَرْبُ الأَبْوَابِ. هَلْ كَانَ يُرَى مِجَنٌّ أَوْ رُمْحٌ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ إِسْرَائِيلَ؟. 9- قَلْبِي نَحْوَ قُضَاةِ إِسْرَائِيلَ الْمُتَطَّوِعِينَ فِي الشَّعْبِ. بَارِكُوا الرَّبَّ. 10- أَيُّهَا الرَّاكِبُونَ الأُتُنَ الصُّحْرَ, الْجَالِسُونَ عَلَى طَنَافِسَ, وَالسَّالِكُونَ فِي الطَّرِيقِ, سَبِّحُوا! 11- مِنْ صَوْتِ الْمُحَاصِّينَ بَيْنَ الأَحْوَاضِ هُنَاكَ يُثْنُونَ عَلَى حَقِّ الرَّبِّ حَقِّ حُكَّامِهِ فِي إِسْرَائِيلَ. حِينَئِذٍ نَزَلَ شَعْبُ الرَّبِّ إِلَى الأَبْوَابِ. (قض 6:5-11). ]

 

إن شمجر كان قاضيًا ظهر وانتهى أمره في حياة إهود ولذلك لم يأت شيء بخصوصه سوى عمله الوحيد ضد الفلسطينيين.. وهذا ما قال به كثيرين. ولكن الربط بين أيام شمجر وأيام ياعيل وما تخلله من مذلة لبني إسرائيل يجعل فكر المرء يتجه وجهة أخرى. أما بالنسبة لشمجر، فلو كان هو معاصرًا لإهود كما ينادي البعض سنجد أن المعاناة المذكورة هنا تتناقض تمامًا مع قول سابق وهو أن الأرض استراحت ثمانين سنة بعد أن خلص إهود بني إسرائيل من الموآبيين، وبهذا تكون عدد سنوات المعاناة مائة عام وليست عشرين كما جاء في (قض 3:4). كما أنه قول يتناقض مع نص واضح وصريح يقول أن شمجر جاء بعد إهود (قض 31:3). ومن يدري فقد يكون عدم ذكر فترة شمجر يرجع لكونه لم يفعل إلا تلك المأثرة القاصرة على مكان محدود وعاش بعد ذلك دون أن يكون له دور فاعل أو بارز وخمدت شعلته وهو لا يزال حيًا حتى أن أعداء إسرائيل صاروا هم فقط المتواجدين على الطرق العامة ويقومون بنهب كل من يعبر عليها من الإسرائيليين (ع6). وهناك من يقول أنه لم يتم ذكر فترته لكونه أمضى سنة واحدة فقط، ولكن عبارة "في أيام.. " هي عبارة في الغالب تتجاوز العام الواحد، كما أن كونها ترتبط بعمل للصالح العام أو لفترة حكم كما جاءت في (قض28:8؛ 1صم12:17؛ 2صم2:21) تجعلنا نستبعد أن تكون ياعيل زوجة حابر القيني هي الشخص المقصود هنا، لأنه قبل قتلها لسيسرا لم يكن أحد يعرفها كما أن كون قبيلة زوجها في حالة سلام مع ملك كنعان يجعل كونها تفعل شيئًا لبني إسرائيل أمر غير وارد، لكونها من جهة لا تستطيع حمل السلاح كما لا تستطيع أن تخالف زوجها أو تقوم بحرب عصابات من وراءه، أضف إلى هذا إنه لن يقبل أحد منها وهي الغريبة عنهم وفي وجود دبورة النبية والقاضية أن يمضي إليها. ولو قال أحد أنها تعتبر مخلصة لإسرائيل بقتلها لسيسرا، فنقول أن ما فعلته هو تحصيل حاصل وكان سيفعله باراق، وسنرى فيما بعد كيف قتل رجال أفرايم أميري المديانيين غرابًا وذئبًا (قض 3:8)، ومع هذا لم يُعتبروا هم المخلصين بل جدعون. من كل هذا نخلص إلى القول أن ياعيل هذا كما شمجر صنعا خلاصًا مؤقتًا لإسرائيل، خلاصًا لم يستطع مفعوله أن يدوم أو يبقى طوال فترة حياتهما، بل صارت المذلة من نصيب بني إسرائيل في حياتهما، ولولا الأحداث الهامة والخاتمة المجيدة لتوبة شمشون لكان ذكره قد شابه هذين لأنه لم يستطع أن يخلص إسرائيل من مضايقة الفلسطينيين طوال حياته حتى أنه من سخرية القدر أن يسّلمه رجال يهوذا إليهم بعد تقييده!

1- تصف دبورة النبية حالة الضيق التي كابدها إسرائيل أثناء طغيان يابين عليهم، إذ هجروا الطرق العامة الممهدة وسلكوا في طرق غير مسلوكة ومحفوفة بالمخاطر وتستغرق وقت أطول وجهد أكثر، للهروب من بطش أعداء إسرائيل أو قطاع الطرق، ولم يستطيع أي رئيس محلي على مستوى كل إسرائيل عمل شيء لتخفيف معاناة الشعب من كل هذا (ع6، 7). ولم يبدأ الشعب في أن يتنفس الصعداء ويعاوده رجاء تغير الأحوال نحو الأفضل إلا بعد ظهور دبورة التي بدت لهم ليس كمتسلط عليهم لأجل طموح شخصي بل بمحبتها شملتهم جميعًا كما أم.

2- تبين دبورة بعبارة واحدة ماذا كان السبب الذي جلب علي إسرائيل كل هذا البؤس: اختار آلهة حديثة (ع8)، كانت عبادة الأوثان هي التي جعلت نعمة الله تتخلى عنهم وتسلمهم ليد الأعداء، فكانت النتيجة أن المضايقات لم تعد قاصرة على ترصدهم في الطرق العامة بل طالت الحروب مداخل مدنهم وقراهم التي كانوا يعقدون فيها مجالس القضاء أو الأسواق فصارت بحسب التعبير الكتابي هنا "حرب الأبواب"، وكانت هذه حرب غير متكافئة، إذ بينما لدى الأعداء أسلحتهم، نجد أنه لم يكن لدى بني إسرائيل أسلحة يدافعون بها عن أنفسهم، ولو جمعت منهم جيش قوامه أربعين ألف لن تجد له أسلحة كافية لأن يدخل في حرب مع الأعداء.

وإذ تضع أمامهم هذه الصورة القاتمة ترجع إلى الحاضر المجيد، فتتذكر قضاة إسرائيل المنتدبين في الشعب، أي الشعب الذي تطوع وقبل مهمة تحرير البلاد من الأعداء وإذ توصيهم أن يباركوا الرب، فهذا هو الذي جعل تفكيرنا يتجه للربط بين عبارة "لأجل انتداب الشعب، باركوا الرب" (ع2)، وما ورد هنا عن قضاة(12) إسرائيل.

أما بخصوص (ع10، 11) فنسجل ما قاله أ. نجيب جرجس عنهما وجاء في ص80، 81 من شرحه وذلك على النحو التالي:

[(ع10): تدعو هنا جميع الطبقات إلى تسبيح الرب وتمجيده وشكره على عمله العظيم من أجل شعبه:

+ فتدعو أولًا الأغنياء الذين يركبون الأتن الصحر ويجلسون عل طنافس، والأتن هي الحمير (الإناث) وكان يستخدمها طبقات الشعب حتى الأغنياء والرؤساء. والصحر جمع أصحر والأتن الصحر ما كان لونها أغبر أو أحمر مشربًا بالبياض. ولأن هذا اللون نادر في الحمير، فقد كان الحمار الأحمر غالي القيمة ولا يقتنيه إلا الأغنياء. والطنافس جمع طنفسة وهي البساط أو الحصير الثمين.

+ وكذلك تدعو الفقراء لتسبيح الرب بقولها والسالكون في الطريق، أي الذين يمشون لأنهم لا يملكون أتنًا يركبوها.

(ع11): إنها تتكلم عن الفرج العظيم الذي وافى شعبها بعد الضيق واليأس، مما يدفع فعلًا إلى تسبيح الرب:

من صوت المحاصين بين الأحواض: أي التسبيح ليس فقط من الأغنياء راكبي الأتن والجالسين على طنافس، وليس من الفقراء الذين يسلكون في الطرق مشيًا على الأقدام، بل أيضًا من المحاصين بين الأحواض. والمحاصون قد تعني رماة السهام، أي الماهرين في الحرب أو المطربين على أدوات الغناء أو الذين يقسمون الغنيمة إلى حصص أي أنصبة. والأحواض هي مجتمعات المياه التي جُعلت ليشرب منها الإنسان والحيوان. وهي في هذه العبارة ترسم صورة جميلة لشعب الله إذا اجتمعوا عند أحواض المياه باطمئنان بعد أن كانت من قبل يحتلها الأعداء ويكمن عندها قطاع الطرق. وهم في طمأنينتهم يسبحون الله ومنهم من يعزف ويرنم، ومنهم من يرمي بالسهام ليتسلى أو يتدرب، ومنهم من يقسم الغنائم التي كسبوها إلى حصص.. وعليهم جميعًا علامات الفرح والبهجة.

هناك يثنون على حق الرب: يثنون أي يمدحون ويمجدون، وحق الرب أي عدله الذي أنصف به شعبه وانتقم من أعدائه. وهؤلاء المرنمون عند الأحواض يمجدون الرب على عمله وطرقه المستقيمة وعدالته.

حق حكامه في إسرائيل: إن الرب في عدله أيضًا أظهر (حق رؤساء الشعب وحكامه) لأنه أنصفهم واسترد لهم حقوقهم بعد أن ظلمهم الأعداء وسلبوا حريتهم وسلطتهم.

حينئذ نزل شعب الرب إلى الأبواب: بعد النصرة العظيمة التي أعطاها الرب لشعبه وبعد أن أخذ حقه وحق رؤساء شعبه من الكنعانيين، استطاع الشعب أن يعود فيجلس عند الأبواب، أي أبواب المدينة للقضاء أو للتسلية أو للتشاور مثلما كان يفعل في أيام القدم، أيام المجد والحرية، بعد أن كان محرومًا من الجلوس في هذه الساحات البهيجة في أزمنة الاحتلال والضيق (ع8). ]

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

[12- «اِسْتَيْقِظِي اسْتَيْقِظِي يَا دَبُورَةُ! اسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي وَتَكَلَّمِي بِنَشِيدٍ! قُمْ يَا بَارَاقُ وَاسْبِ سَبْيَكَ, يَا ابْنَ أَبِينُوعَمَ! 13- حِينَئِذٍ تَسَلَّطَ الشَّارِدُ عَلَى عُظَمَاءِ الشَّعْبِ. الرَّبُّ سَلَّطَنِي عَلَى الْجَبَابِرَةِ. 14- جَاءَ مِنْ أَفْرَايِمَ الَّذِينَ مَقَرُّهُمْ بَيْنَ عَمَالِيقَ, وَبَعْدَكَ بِنْيَامِينُ مَعَ قَوْمِكَ. مِنْ مَاكِيرَ نَزَلَ قُضَاةٌ, وَمِنْ زَبُولُونَ مَاسِكُونَ بِقَضِيبِ الْقَائِدِ. 15- وَالرُّؤَسَاءُ فِي يَسَّاكَرَ مَعَ دَبُورَةَ. وَكَمَا يَسَّاكَرُ هَكَذَا بَارَاقُ. انْدَفَعَ إِلَى الْوَادِي وَرَاءَهُ. عَلَى مَسَاقِي رَأُوبَيْنَ أَقْضِيَةُ قَلْبٍ عَظِيمَةٌ. 16- لِمَاذَا أَقَمْتَ بَيْنَ الْحَظَائِرِ لِسَمْعِ الصَّفِيرِ لِلْقُطْعَانِ. لَدَى مَسَاقِي رَأُوبَيْنَ مَبَاحِثُ قَلْبٍ عَظِيمَةٌ. 17- جِلْعَادُ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ سَكَنَ. وَدَانُ, لِمَاذَا اسْتَوْطَنَ لَدَى السُّفُنِ؟ وَأَشِيرُ أَقَامَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ, وَفِي شَاطِئِهِ سَكَنَ. 18- زَبُولُونُ شَعْبٌ أَهَانَ نَفْسَهُ إِلَى الْمَوْتِ مَعَ نَفْتَالِي عَلَى رَوَابِي الْحَقْلِ. (قض 12:5-18). ]

 

حول (ع12، 13) يقول لنا أ. نجيب جرجس ص81، 82 ما يلي:

[(ع12): في حماس روحي عظيم تخاطب دبورة نفسها ثم تخاطب باراق الذي رافقها في العمل العظيم:

أ- استيقظي، استيقظي يا دبورة، استيقظي، استيقظي وتكملي بنشيد: تردد (دبورة) كلمة استيقظي عدة مرات لتأكيد الأمر، واستيقظي أي قومي وانهضي لتنشدي نشيد النصر وترنمي ترنيمة التسبيح، فوقت الحزن واليأس والسكوت قد راح وولى وحان وقت الفرح الذي ينبغي أن ننشد ونرنم فيه.

ب- قم يا باراق واسب سبيك يا ابن أبينوعم: وأنت يا باراق، لقد تم النصر حقيقة، فانهض لتسبي سبيًا عظيمًا من الكنعانيين الذين هُزموا، فخذ منهم أسرى وغنائم من ما خلفوه وراءهم.

تدعوه باسمه كاملًا بقولها: "يا باراق يا ابن أبينوعم" إظهارًا لشخصيته لتؤكد أنه هو، هو الذي ندبه الرب لمحاربة الكنعانيين، وعلى يديها ويديه تحقق النجاح والنصر. ومعنى أبينوعم، أبو النعم، ولعلها أرادت من ذكر اسم أبيه نوعًا من التورية لتبين أن دخوله الحرب كان خيرًا وبركة وفيه فيض من بركات الله ونعمه التي تمثلت في انتصارهم واستردادهم كرامتهم وحريتهم، استقلالهم وغناهم ورخائهم.

(ع13): بعد هذا النصر العظيم:

تسلط الشارد على عظماء الشعب: بنو إسرائيل الذين كانوا قبلًا شاردين، أي هاربين من أمام أعدائهم لا يستطيعون أن يواجهوهم، تسلطوا اليوم وسادوا على عظماء الشعب الكنعاني.

الرب سلطني على الجبابرة: هذا لسان حال دبورة وباراق اللذين يترنمان، وبالتالي لسان حال جميع الشعب إذ يتحدثون بعمل الرب العظيم معهم حيث سلطهم، أي أعطاهم السيادة على جميع الجبابرة الأعداء. ]

سنجد في بقية أعداد هذه الفقرة تقييم دبورة لموقف بعض الأسباط من هذه الحرب التي دارت رحاها مع سيسرا وجيشه:

+ بدأت دبورة بالكلام عن سبط أفرايم وكلامها هنا فيه مدح كبير له، إذ رغم كونه يقيم بين عماليق وهم من أشرس أعداء إسرائيل، ويتطلب الأمر أخذ الحذر وعدم ترك الرجال الأشداء أماكنهم لئلا يستغل عماليق الموقف كما سنراهم يفعلون مع نساء داود ورجاله حين غادروهم جميعًا للاشتراك في الحرب (1صم1:30-6)، ومع هذا أوكلوا أمر حمايتهم لله وخرجوا للمشاركة في تحرير إخوتهم من ضيقهم. ولمقتضيات الشعر تحولت دبورة من ضمير الغائب عن أفرايم إلى ضمير المخاطب عندما ذكرت بنيامين، الذي هو أيضًا خرج وهب للدفاع عن حق إخوتهم في الحرية. وربما كون دبورة تقيم في مكان يتوسط الثلاثة المذكورين، جعلهم هذا يكونوا في طليعة من لبى نداء دبورة.

+ وبينما لم يشترك جلعاد الذي في شرق الأردن (ع16)، نجد أن ماكير الذي يشكل جزءًا منهم وموضعه في غرب الأردن لم يتأخر عن المجيء لمد يد المعونة في هذه المعركة الفاصلة، فصاروا قضاة بمعنى أنهم ساهموا في صنع هذا الخلاص العظيم. أما زبولون فمن جاءوا منه كانوا ماسكين بقضيب القائد، بمعنى أنهم كانوا في المعركة يديرون دفتها ويشاركوا بصفات أهلتهم كما لو كانوا في مركز القائد في ساحة المعركة (ع14).

+ ومن يساكر لم يأت رجال للحرب، بل حتى الرؤساء في السبط كانوا في طليعة من جاء فكانوا في قلب ساحة المعركة مع دبورة يسدون المشورة ويثيرون حماس الأبناء للاندفاع بلا خوف إلى القتال ولهذا جاء عن أبنائهم أنهم كانوا على نفس درجة الاهتمام بحسن سير الأمور في الساحة كما باراق ذاته، ولهذا نراهم اندفعوا وراءه إلى الوادي حيث تدور رحى المعركة (ع15).

+ وقبل أن ننتقل للتعليق على بقية أعداد هذه الفقرة، نود القول أن كون هناك لعنة وردت على ميروز (ع22)، فهذا يجعلنا نفهم ضمنًا أن إغفال دبورة لسبط يهوذا وجاد وشمعون وعدم توجيهها أي ملامة لهم، فهذا يعني أنها ربما لم توجه لهم الدعوة للمساهمة في هذه الحرب، وربما هي رأت أن هناك أسباب وجيهة استوجبت عدم دعوتهم وبالتالي لم تلومهم كما فعلت مع غيرهم.

+ كان سبط رأوبين أول من عاتبتهم دبورة، وكأنها كانت تنتظر منهم بكونهم يمثلون سبط الابن البكر أن يكونوا في مقدمة المشاركين. أما رجال رأوبين فقد اعتفوا بخسة عن تقديم أية خدمة، ويبدو أن شيئان أعاقاه عن الانخراط في هذه المعركة:

أ- انقساماتهم: ليس فقط انفصالهم عن أرض كنعان بواسطة نهر الأردن، إذ ما كان لهذا الأمر أن يعيقهم لو شغلوا أنفسهم جدياَ بالقضية، بل المقصود بانقسامهم إما أنهم كانوا منقسمين فيما بينهم ولم يستطيعوا أن يتفقوا في الرأي من الذي عليه أن يذهب ومن الذي له أن يقود حملة المساعدة، أو أنهم كانوا منقسمين في رأيهم بخصوص هذه الحرب وخالفوا بقية الأسباط فظنوا أن محاولتهم بالمساعدة ليس لها ما يبررها أو أنها غير عملية. وببدو أن هذه المناقشات تمت عند أحد روافد نهر الأردن أو أحواض مياه كانوا يستقون منها.

ب- انشغالهم وانهماكهم بالعالم: رأوبين أقام بين الحظائر، وهو مكان أكثر دفأً وأمانًا من معسكر الحرب، مدّعين أنه لا يناسبهم أن يتركوا الغنم التي يتعهدونها بالرعاية، وكان هذا تصرف أناني منهم، ليس عرضيًا بل كان من صميم القلب وبعد تفكير كثير وهذا ما يمكن أن نستشفه من عبارة "أقضية قلب عظيمة".

+ أما ما جاء عن سبط دان فلا يبدو لي أنه يختص بذلك الجزء الذي أقام في الجنوب بين الأموريين والفلسطينيين، إذ وجود مثل هؤلاء الأعداء الأشداء يمنع خروجهم لمساعدة غيرهم من إخوتهم، كما أننا لم نسمع عن مواني على البحر المتوسط في جنوب أرض كنعان بالنسبة ليهوذا أو دان، لذا المقصود هنا هم من مضى إلى الشمال من سبط دان وعملوا بالسفن وما يختص بالبحر أسوة بسبط زبولون ونفتالي بحكم جيرتهم لصور وصيداء الخبيرين بالبحر. وبينما هب شعب زبولون ونفتالي وعرضوا حياتهم لخطر الموت واستهانوا بها في سبيل تخليص إخوتهم من نير العبودية والمذلة فنزلوا إلى روابي الحقول أي التلال الموجودة في ساحة المعركة والتي يصعب القتال فيها كما هو الحال في الوادي المستوي (ع18)، نجد أن أبناء دان وأشير تشبثوا بالبقاء في أماكن عملهم وعدم مغادرة الفرض أي الموانئ الموجودة لديهم..

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

[19- «جَاءَ مُلُوكٌ. حَارَبُوا. حِينَئِذٍ حَارَبَ مُلُوكُ كَنْعَانَ فِي تَعْنَكَ عَلَى مِيَاهِ مَجِدُّو. بِضْعَ فِضَّةٍ لَمْ يَأْخُذُوا. 20- مِنَ السَّمَاوَاتِ حَارَبُوا. الْكَوَاكِبُ مِنْ أَفْلاَكِهَا حَارَبَتْ سِيسَرَا. 21- نَهْرُ قِيشُونَ جَرَفَهُمْ. نَهْرُ وَقَائِعَ نَهْرُ قِيشُونَ. دُوسِي يَا نَفْسِي بِعِّزٍ. 22- «حِينَئِذٍ ضَرَبَتْ أَعْقَابُ الْخَيْلِ مِنَ السَّوْقِ, سَوْقِ أَقْوِيَائِهِ. (قض 19:5-22.]

 

تحت عنوان "الحروب الرهيبة" يقول أ. نجيب جرجس عن هذه الأعداد ص86-88 ما يلي:

[(ع19):

يتكلم هنا عن الحرب الرهيبة، لأن سيسرا إذ سمع أن دبورة وباراق قد جمعا جيشًا من إسرائيل وصعدا به إلى جبل تابور، انبرى لوقته ليحارب إسرائيل بمركباته وجميع جيشه.

جاء ملوك حاربوا: المقصود بالملوك يابين ملك كنعان والملوك والأمراء الذين تحالفوا لمحاربة شعب الله. ومجيء يابين هنا مجازي بمعنى أنه كلف جيشه وقائده سيسرا بشن الحرب على بني إسرائيل.

حينئذ حارب ملوك كنعان: هذه الجملة توضيح وتأكيد للجملة السابقة تبين أن ملوك وأمراء الشعوب الكنعانية تعاونت مع يابين.

في تعنك. على مياه مجدو: هجمت جيوش سيسرا على الإسرائيليين في تعنك الواقعة على مياه مجدو. وتعنك ومجدو قريبان من بعضهما ولهما تاريخ عظيم. وتعنك كانت في موضع تل تعنك في الطرف الجنوبي لسهل يزرعيل، وقد كانت إحدى المدن التي أُعطيت للاويين (يش21:12؛ 15:21؛ قض27:1). أما مجدو فمكانها الآن تل المنسلم جنوب شرقي حيفا بنحو اثنين وعشرين كيلومترًا.

ومياه مجدو يُقصد بها نهير من نهيرات نهر قيشون حيث كان يمر بها. ويرجح أن يكون هذا النهير هو المعروف الآن بنهر المقطع.

بضع فضة لم يأخذوا: كان الكنعانيون يتوقعون تمامًا أنهم لابد وأن ينتصروا على الإسرائيليين ويسحقوهم ويأخذوا منهم غنيمة عظيمة من الذهب والفضة وغيرهما، بالإضافة إلى الفضة التي يأخذونها فداءًا للأسرى، ولكن خابت توقعاتهم لأنهم هُزموا شر هزيمة. وبضع فضة لم يأخذوا أي لم يغنموا ولا النذر اليسير من الفضة كما كانوا يتطلعون.

(ع20):

أ- الشطرة الثانية توضيح للشطرة الأولى، والضمير في حاربوا وإن كان للعاقل فإنه يشير إلى الكواكب من باب المجاز والمعنى أن الرب سخر كواكب السماء لكي تحارب سيسرا كما يوضح العدد التالي أنه سخر أيضًا النهر من أسفل ليحاربه، أي أن الطبيعة من فوق ومن أسفل أعلنت حربها عليه.

وقد حاربته الكواكب بمعنى:

• أن نورها ربما كان يسطع بلمعان شديد فيلقي الذعر في الجنود وفي الخيل فتضطرب وتجر المركبات بعنف فتتحطم، وتعود الكواكب فتختفي وراء السحب الكثيفة فتلقي على جنوده ظلامًا كثيفًا.

•ولعله أيضًا شبّه البرق بكواكب السماء، وقد أحدث في جيشه الرعب والهلع.

• وكان القمر وهو أحد الكواكب يعمل على إحداث المد والجزر في نهر قيشون وغيره، فطما ماؤه على أرض المعركة وأربك تحركات الجند والمركبات.

الكواكب من حبكها: الحبك جمع حباك. وحبك النجوم أي طرقها والمعنى أن الكواكب حاربت سيسرا من مداراتها التي تسير فيها.

ب- ولعل هذه الفقرة العجيبة "الكواكب من حبكها حاربت سيسرا"لعلها هي التي أوحت إلى علماء الفضاء وغيرهم من العلماء اليوم إلى التفكير فيما يسمونه حرب الكواكب.

(ع21):

لم يسلّط الله عليهم الكواكب من فوق فقط، بل سلّط عليهم نهر قيشون من أسفل فجرفهم أي طمت مياهه إلى البر فأحدث وحلًا كثيفًا، واكتسحت المياه المعدات الحربية التي للكنعانيين، وحتى الذين حاولوا الهروب عن طريق النهر غرقوا وماتوا.

ولاشك في أن الرب قد هيأ عوامل كثيرة عملت على ارتفاع المياه في النهر، وربما رياح شديدة عملت على شدة تيار المياه فارتفع وفاض وأغرق الأرض، وربما المد الشديد أو الأمطار الغزيرة التي هطلت فزادت المياه في النهر وأغرقت الأرض.

ونهر قيشون من الأنهار الهامة ينبع من جبل حرمون وجبل تابور ومن تلال الناصرة وجبل جلبوع، ويسير في مرج أم عامر حتى يصب في البحر المتوسط قرب حيفا، وقد مر ذكره في (قض 7:4): "نهر قيشون جرفهم" أي اكتسحهم وأغرقهم.

نهر وقائع، نهر قيشون أو (نهر القدم، نهر قيشون) أي يا له من نهر له تاريخ خالد ووقائع تاريخية هامة. ولعل دبورة وهي تتحدث عن هذا النهر تذكر بعض الأحداث التي جرت لشعبها عند هذا النهر سواء في انتصاراتهم أحيانًا على أعدائهم في أيام يشوع والقضاة السابقين أو في إذلال الكنعانيين والشعوب الأخرى لهم عندما كانوا يبتعدون عن الرب، ولكن أهم الوقائع التي ارتسمت أمامها أن الرب وعد بأن يجتذب سيسرا إلى النهر ليحارب باراق ورجاله (قض 7:4)، ثم هزيمة سيسرا الساحقة التي كانت موقعة فاصلة بينه وبين بني إسرائيل كما نرى هنا.

دوسي يا نفسي بعز أو (دوسي يا نفسي الأعزاء) أي:

• يمكنك يا نفسي أن تسيري الآن موفورة الكرامة ومرفوعة الرأس بعزة وقوة بعد أن كنت ذليلة ومدوسة من أعدائك.

• ويمكنك أيضًا أن ترفعي رأسك على الكنعانيين وتسيطري عليهم وتطأي كرامتهم وآلهتهم بعد أن كانوا يدوسونك.

دوسي يا نفسي بعز!: ما أجمل الكرامة بعد الهوان، شكرًا لله مخلصنا لأننا بعد أن كنا في مذلة الخطية، يدوسنا الشيطان وكل قوى الشر ويسيطر على جميع بني البشر انتصرنا بالفداء العجيب الذي صنعه لأجلنا فادينا الحبيب وأعطانا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو19:10).

(ع22):

لما رأى قواد سيسرا وجنوده أن الطبيعة تحارب ضدهم وأن بني إسرائيل انتصروا عليهم وأخذوا يطاردونهم ويقتلونهم، ذعروا وأردوا الهروب، فكانوا يسوقون خيولهم بشدة، فكانت الخيول تعدو بأقصى سرعة وأقدامها تضرب الأرض بشدة من سرعة الجري. ]

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

"اِلْعَنُوا مِيرُوزَ قَالَ مَلاَكُ الرَّبِّ. الْعَنُوا سَاكِنِيهَا لَعْنًا, لأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا لِمَعُونَةِ الرَّبِّ, مَعُونَةِ الرَّبِّ بَيْنَ الْجَبَابِرَةِ" (قض 23:5).

 

بينما لم تذكر دبورة بعض الأسباط وعاتبت البعض الآخر نجد أنها هنا تدين ميروز وتلعن سكانها لأنها مدينة لها اعتبار كبير في ذلك الوقت وكان منُتظر منها الكثير ولكنها لم تقدمه. ومن غير المعروف موقع هذه المدينة ولكن من المؤكد أن موقعها كان قريب من أرض المعارك ومع ذلك لم تتقدم لتمد يد المعونة وتحارب مع الآخرين ضد العدو المشترك، بل لو نظرنا لهذا العدد من خلال ما سيأتي بعده ربما أهل ميروز لم يسعوا لقتل من مر بهم من الأعداء الفارين من أرض المعركة.

قال ملاك الرب: من أين لدبورة أن تقول هذا لو لم يتح لها مركزها كنبية سماع ما يقوله سكان السماء. وإذ تؤكد اللعن ثانية بقولها "العنوا ساكنيها لعنًا"، فهذا يرجع بنا إلى ما قاله الرب عن عماليق لموسى بمحو ذكره من تحت السماء (تث19:25)، وقد صار نفس الشيء بالنسبة لميروز إذ لا يعرف أحد موضعها بالتحديد.

يوضح بعد هذا سبب اللعن أنه بينما كان عمل الله واضح للعيان، بل وكان هو الداعي لحرب التحرير هذه وعيّن قائد هذه الحملة العسكرية بنفسه، إلا أنهم تقاعسوا عن التقدم وأخذ بركة المساهمة في معونة الرب العاملة بين جبابرة شعبه وضد جبابرة الأعداء. لقد كانت الحرب للرب وعليها ينطبق القول من ليس معنا فهو علينا، ولذلك استحقت المدينة وسكانها اللعنة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

[24- تُبَارَكُ عَلَى النِّسَاءِ يَاعِيلُ امْرَأَةُ حَابِرَ الْقِينِيِّ. عَلَى النِّسَاءِ فِي الْخِيَامِ تُبَارَكُ. 25- طَلَبَ مَاءً فَأَعْطَتْهُ لَبَنًا. فِي قَصْعَةِ الْعُظَمَاءِ قَدَّمَتْ زُبْدَةً. 26- مَدَّتْ يَدَهَا إِلَى الْوَتَدِ وَيَمِينَهَا إِلَى مِضْرَابِ الْعَمَلَةِ, وَضَرَبَتْ سِيسَرَا وَسَحَقَتْ رَأْسَهُ, شَدَّخَتْ وَخَرَّقَتْ صُدْغَهُ. 27- بَيْنَ رِجْلَيْهَا انْطَرَحَ, سَقَطَ اضْطَجَعَ. بَيْنَ رِجْلَيْهَا انْطَرَحَ سَقَطَ. حَيْثُ انْطَرَحَ فَهُنَاكَ سَقَطَ مَقْتُولًا. (قض 24:5-27). ]

 

وهنا تزيد المفارقة وتبدو صارخة، إذ بينما سكان ميروز لم يساهموا بشيء رغم قربهم مكانيًا ولهم قرابة الدم، تجد دبورة أن ياعيل الغريبة عن رعوية إسرائيل بفعل إيماني عظيم تقدم على قتل من ساهم طويلًا في إذلال شعب الله.

وبينما ياعيل امرأة كما غيرها من النساء تسكن الخيمة وتلازم محل إقامتها وليس لها شأن بأعمال الحرب، إلا أنها فعلت ما لم تفعله امرأة غيرها وفعلته طوعيًا من تلقاء ذاتها، لذلك وجدت دبورة أنها تستحق البركة من الله لأجل فعلها النابع عن إيمانها ووفائها لإله إسرائيل أكثر من وفائها لمعاهدة السلام التي وقعها زوجها مع ملك كنعان.

ولكيما تحقق ياعيل ما تريده خرجت لملاقاة سيسرا ودعته ليدخل ويستريح من تعبه إذ رأته هاربًا ومجهدًا. ولما دخل وطلب ماءًا ليشرب قدمت له لبنًا، ومن نفسها قدمت له زبدة في الإناء المخصص لكبار ضيوف زوجها.

ومن المؤكد أنه بعد أكل، أراد أن ينام ويرتاح لبعض الوقت حتى يستعيد عافيته لا سيما وأنه مجهد وربما لم ينام في الليلة السابقة لانشغاله في الإعداد لمعركة الغد، ولذلك نام في الحال.

بعد أن اطمأنت أنه نام تقدمت ياعيل على أطراف أصابعها وبكل قوتها ضربت على رأسه بمضراب العملة، والمضراب بلغة العصر هي الشاكوش الذي يستخدمه العمال في تثبيت أوتاد الخيمة. ولأنه ربما من ناحية لم يكن آنذاك من المعدن، ومن ناحية أخرى لم تكن الضربة في قوة ضربة الرجل فإن ضربتها لم تميته في الحال، بل جعلته ينتبه من نومه ويسعى ليقوم ولكن أثر الضربة كان قويًا بالدرجة التي جعلته يترنح ويعود ليسقط عند رجليها، فقامت بعد ذلك بدق الوتد بذلك المضراب في رأسه لتنهي على حياته تمامًا فسحقت رأسه وشدخت صدغه، ولذا حيث أنطرح سقط قتيلًا ولم تقم له قائمة بعد ذلك إذ قد فارق الحياة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

[28- مِنَ الْكُّوَةِ أَشْرَفَتْ وَوَلْوَلَتْ أُمُّ سِيسَرَا مِنَ الشُّبَّاكِ: لِمَاذَا أَبْطَأَتْ مَرْكَبَاتُهُ عَنِ الْمَجِيءِ؟ لِمَاذَا تَأَخَّرَتْ خَطَوَاتُ مَرَاكِبِهِ؟. 29- فَأَجَابَتْهَا أَحْكَمُ سَيِّدَاتِهَا, بَلْ هِيَ رَدَّتْ جَوَابًا لِنَفْسِهَا:. 30- أَلَمْ يَجِدُوا وَيَقْسِمُوا الْغَنِيمَةَ! فَتَاةً أَوْ فَتَاتَيْنِ لِكُلِّ رَجُلٍ! غَنِيمَةَ ثِيَابٍ مَصْبُوغَةٍ لِسِيسَرَا! غَنِيمَةَ ثِيَابٍ مَصْبُوغَةٍ مُطَرَّزَةٍ! ثِيَابٍ مَصْبُوغَةٍ مُطَرَّزَةِ الْوَجْهَيْنِ غَنِيمَةً لِعُنُقِي! (قض 28:5-30). ]

 

لقد اعتادت أم سيسرا على مثل هذه الغزوات والمعارك والتي في العادة كان أبنها لا يتعوق كثيرًا والنصر كان حليفه على طول الخط. ولكن في هذه المرة لم يأت سريعًا كما تعودت منه وكما وعدها البارحة فبدأت تنشغل، وظلت تتردد على الكوة والتي هي الشباك مرارًا، لا سيما وأنه من المحتمل أن شباك بيتها كان موقعه يتيح لها أن تراه وهو قادم من بعيد، وبلهفة تتميز بالقلق والخوف من المجهول بدأت تتكلم مستفسرة عن سبب تأخر مجيئه ومركباته وكانت تتمنى من كل قلبها أن تكون الأحوال مع ابنها على خير ما يرام. وتتخيل دبورة أن أحكم قريباتها أو صديقاتها أو هي ذاتها أرادت أن تهدئ مخاوفها فردت قائلة أنه ربما كان مشغولًا بتقسيم الغنائم، ومنها كما تعود من قبل أن تكون له فتاة جميلة أو فتاتين مع أفخر الثياب المصبوغة وفي العادة ما كان ينسى أن يحضر لأمه الملابس الفاخرة صباغًا وتطريزًا. أما عبارة "غنيمة لعنقي" فقد تعنى قلائد تلبسها على عنقها أو شال مطرز تلفه حوله.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

"هَكَذَا يَبِيدُ جَمِيعُ أَعْدَائِكَ يَا رَبُّ. وَأَحِبَّاؤُهُ كَخُرُوجِ الشَّمْسِ فِي جَبَرُوتِهَا. اسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً" (قض 31:5)

 

هنا تختم دبورة أنشودتها بصلاة لله: هكذا يبيد جميع أعدائك. هكذا فليخزوا جدًا ويكونوا في غاية البؤس والتعاسة. وتدعو في نفس الوقت لرفعة وعزاء كل أحبائه. ليكونوا هم كخروج الشمس في جبروتها. وعن هذه العبارة الأخيرة يقول السنن القويم: [في العبارة حذف والمحذوف "يخرجون" أي أن محبي الله يخرجون كخروج الشمس.. " ومعنى التشبيه هنا:

أ- أن أحباء الله يظهرون في مجد وبهاء يزيدان على توالي الأيام الأوقات. فإن الشمس تطلع أولًا وضوءها قليل ثم يأخذ بالزيادة على توالي خروجها من تحت الأفق إلى أن يملأ ضياؤها الأرض التي كان الظلام يغطيها. و

 ب- أنهم يكونون مصدر إرشاد ونفع لكل من يرونهم، فإن الشمس بطلوعها تشرق وتضيء فيستطيع الناس الإبصار والسير على الطريق المقصودة والانتفاع بضوئها وحرارتها.. ]

إن الانتصار الذي تم الاحتفال به هنا بهذه الأنشودة كان له هذه النتيجة السعيدة لإسرائيل إذ تم الاستمتاع بسلام استمر طويلًا إذ استراحت الأرض أربعين سنة.

ونختم هنا بما جاء من فوائد روحية وتطبيقية عن هذا الإصحاح ووردت في ختام شرح الإصحاح في السنن القويم:

[1- يجب أن نبارك الرب ونحمده على إحسانه ونشكر له فضله في يوم الخلاص (ع2).

2-إن الله يمدح من يبذل نفسه في سبيل نفع الشعب ونفع الجمع أولى من نفع الفرد (ع2).

3- إن خدمة الرب يجب أن تكون بسرور وباختيار (ع2).

4- الشكر للرب. وهو الذي أنهض دبورة وباراق والرؤساء والشعب وجعل الخوف والجبانة في قلوب أعدائهم (ع3-5).

5- من أعمال الأم الصالحة حض أولادها على الخدمة الفاضلة والثبات والشجاعة في يوم الضيق والخطر. وهذا ما تفعله المرأة الصالحة لشعبها (ع7).

6- إن عبادة الأوثان تسبب الانحطاط. وهكذا في كل قرن تسبب ترك الدين وحب الناس للمال والمجد العالمي(13) (ع8).

7- إن الراحة الجسدية كثيرًا ما تبعد الناس عن خدمة الله والوطن (ع16، 17).

8- إن جميع القوى الطبيعية بيد الله فيستعملها لخلاص شعبه وإبادة أعدائه (ع20، 21).

9- أن لجميع مقاومي الرب خيبة الآمال (ع21، 28-30).

10- من ليس مع الرب فهو عليه (ع23).

11- سبيل الصديق كنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل (ع31). ]

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(12) ومن هذا المنطلق أيضًا قيل عن الذين ساهموا في الحرب من عشيرة ماكير أنهم قضاة (ع14).

(13) يبدو لي أن المعنى المقصود هنا هو أن أي دين غير سماوي والذي تمثله هنا عبادة الأوثان، يحجب عن الناس رؤية الدين السماوي ويمنعهم عن التقدم إليه، ولا يتوقف الأمر عند هذا، إذ سيجعلهم الدين غير السماوي يميلون بشدة إلى حب المال والمجد العالمي، بينما من يؤمن كما ينبغي بالله سيصرف نظر عن الأرض والأرضيات ويكون كنزه في السماء، فيتسامى فوق طبيعته البشرية وما تفرضه عليه من تقهقر أخلاقي وروحي نتيجة انصياعه لغرائزها.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات القضاة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/fr-angelos-st-makarios/judges/chapter-05.html

تقصير الرابط:
tak.la/g8xc466