St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   fr-angelos-st-makarios  >   judges
 
St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   fr-angelos-st-makarios  >   judges

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنجيلوس المقاري

القضاة 12 - تفسير سفر القضاة

 

* تأملات في كتاب قضاة:
تفسير سفر القضاة: مقدمة سفر القضاة | القضاة 1 | القضاة 2 | القضاة 3 | القضاة 4 | القضاة 5 | القضاة 6 | القضاة 7 | القضاة 8 | القضاة 9 | القضاة 10 | القضاة 11 | القضاة 12 | القضاة 13 | القضاة 14 | القضاة 15 | القضاة 16 | القضاة 17 | القضاة 18 | القضاة 19 | القضاة 20 | القضاة 21

نص سفر القضاة: القضاة 1 | القضاة 2 | القضاة 3 | القضاة 4 | القضاة 5 | القضاة 6 | القضاة 7 | القضاة 8 | القضاة 9 | القضاة 10 | القضاة 11 | القضاة 12 | القضاة 13 | القضاة 14 | القضاة 15 | القضاة 16 | القضاة 17 | القضاة 18 | القضاة 19 | القضاة 20 | القضاة 21 | القضاة كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإصحاح الثاني عشر

 

[1- وَاجْتَمَعَ رِجَالُ أَفْرَايِمَ وَعَبَرُوا إِلَى جِهَةِ الشِّمَالِ, وَقَالُوا لِيَفْتَاحَ: «لِمَاذَا عَبَرْتَ لِمُحَارَبَةِ بَنِي عَمُّونَ وَلَمْ تَدْعُنَا لِلذَّهَابِ مَعَكَ؟ نُحْرِقُ بَيْتَكَ عَلَيْكَ بِنَارٍ!». 2- فَقَالَ لَهُمْ يَفْتَاحُ: «صَاحِبَ خِصَامٍ شَدِيدٍ كُنْتُ أَنَا وَشَعْبِي مَعَ بَنِي عَمُّونَ, وَنَادَيْتُكُمْ فَلَمْ تُخَلِّصُونِي مِنْ يَدِهِمْ. 3- وَلَمَّا رَأَيْتُ أَنَّكُمْ لاَ تُخَلِّصُونَ, وَضَعْتُ نَفْسِي فِي يَدِي وَعَبَرْتُ إِلَى بَنِي عَمُّونَ, فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِي. فَلِمَاذَا صَعِدْتُمْ عَلَيَّ الْيَوْمَ هَذَا لِمُحَارَبَتِي؟». 4- وَجَمَعَ يَفْتَاحُ كُلَّ رِجَالِ جِلْعَادَ وَحَارَبَ أَفْرَايِمَ, فَضَرَبَ رِجَالُ جِلْعَادَ أَفْرَايِمَ لأَنَّهُمْ قَالُوا: «أَنْتُمْ مُنْفَلِتُو أَفْرَايِمَ. جِلْعَادُ بَيْنَ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى». 5- فَأَخَذَ الْجِلْعَادِيُّونَ مَخَاوِضَ الأُرْدُنِّ لأَفْرَايِمَ. وَكَانَ إِذْ قَالَ مُنْفَلِتُو أَفْرَايِمَ: «دَعُونِي أَعْبُرْ». كَانَ رِجَالُ جِلْعَادَ يَسْأَلُونَهُ: «أَأَنْتَ أَفْرَايِمِيٌّ؟» فَإِنْ قَالَ: «لاَ». 6- كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: «قُلْ إِذًا: شِبُّولَتْ» فَيَقُولُ: «سِبُّولَتْ» وَلَمْ يَتَحَفَّظْ لِلَّفْظِ بِحَقٍّ. فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ وَيَذْبَحُونَهُ عَلَى مَخَاوِضِ الأُرْدُنِّ. فَسَقَطَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَفْرَايِمَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا. 7- وَقَضَى يَفْتَاحُ لإِسْرَائِيلَ سِتَّ سِنِينٍ. وَمَاتَ يَفْتَاحُ الْجِلْعَادِيُّ وَدُفِنَ فِي إِحْدَى مُدُنِ جِلْعَادَ. (قض 1:12-7). ]

 

قبل التعرض لشرح هذه الأعداد يبدو لي أنه من الواجب إعادة قراءة وشرح بعض أعداد في إصحاحات سابقة في ضوء أعداد هذه الفقرة. فمثلًا عبارة "اجتمع بنو إسرائيل ونزلوا في المصفاة" (قض 17:10)، ليس لنا أن نفهمها على أنه تمثل تجمع من كل أسباط بني إسرائيل، لأننا إن رأينا رجال سبط أفرايم وهم الأقرب صلة رفضوا تلبية دعوة يفتاح بعد اختياره قائد، فهل ننتظر من بقية رجال أسباط أرض كنعان المجيء؟ بل إنه لم يأت ذكر لرجال من سبط جاد أو رأوبين، فإذ نضع هذا في اعتبارنا نفهم عبارة "فقال الشعب رؤساء جلعاد الواحد لصاحبه أي هو الرجل الذي يبتدئ بمحاربة بني عمون فإنه يكون رأسًا لجميع سكان جلعاد" (قض 18:10)، الأمر الذي يعني ضمنًا أن المحفل الحاضر كان من رجال جلعاد فقط، بينما لو كان هناك رجال حاضرين من أسباط أخرى كان من غير اللائق التكلم في خصوصية مثل هذه في محضرهم، إذ كأنهم بهذا يفرضون عليهم اختيار من يختاروه هم رئيسًا على الكل وهذا ما لم يحدث.

St-Takla.org Image: Shibboleth: "And when any Ephraimite who escaped said, “Let me cross over,” the men of Gilead would say to him, “Are you an Ephraimite?” If he said, “No,” then they would say to him, “Then say, ‘Shibboleth’!” And he would say, “Sibboleth,” for he could not pronounce it right. Then they would take him and kill him at the fords of the Jordan. There fell at that time forty-two thousand Ephraimites." (Judges 12:5-6) - H. de Blois - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909. صورة في موقع الأنبا تكلا: شبولت: "وكان إذ قال منفلتو أفرايم: «دعوني أعبر». كان رجال جلعاد يقولون له: «أأنت أفرايمي؟» فإن قال: «لا» كانوا يقولون له: «قل إذا: شبولت» فيقول: «سبولت» ولم يتحفظ للفظ بحق. فكانوا يأخذونه ويذبحونه على مخاوض الأردن. فسقط في ذلك الوقت من أفرايم اثنان وأربعون ألفا" (قض 12: 5-6) - رسم: هـ. دي بلويس ​- من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909

St-Takla.org Image: Shibboleth: "And when any Ephraimite who escaped said, “Let me cross over,” the men of Gilead would say to him, “Are you an Ephraimite?” If he said, “No,” then they would say to him, “Then say, ‘Shibboleth’!” And he would say, “Sibboleth,” for he could not pronounce it right. Then they would take him and kill him at the fords of the Jordan. There fell at that time forty-two thousand Ephraimites." (Judges 12:5-6) - H. de Blois - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909.

صورة في موقع الأنبا تكلا: شبولت: "وكان إذ قال منفلتو أفرايم: «دعوني أعبر». كان رجال جلعاد يقولون له: «أأنت أفرايمي؟» فإن قال: «لا» كانوا يقولون له: «قل إذا: شبولت» فيقول: «سبولت» ولم يتحفظ للفظ بحق. فكانوا يأخذونه ويذبحونه على مخاوض الأردن. فسقط في ذلك الوقت من أفرايم اثنان وأربعون ألفا" (قض 12: 5-6) - رسم: هـ. دي بلويس ​- من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909.

ومن ناحية أخرى فإن الذي كان حاضر على الساحة لحين تسلم يفتاح للقيادة كانوا هم شيوخ جلعاد فقط (قض 4:11-11). ولو ننظر لعبارة "عبر يفتاح جلعاد ومنسى وعبر مصفاة جلعاد ومن مصفاة جلعاد عبر إلى بني عمون" (قض 29:30)، ولقد سبق أن قلت أنه عبر هذه الأماكن ليجمع جنود، إذ هذا ما رأيت بعض الشراح يقولونه، ولكن في ضوء ما استجد من أعداد هذه الفقرة يمكنني القول إلى حد ما أن النص هنا يورد فقط خط سيره أثناء توجهه نحو محاربة بني عمون. ويمكن في ضوء كل هذا القول، أنه نظرًا لأن يفتاح لم يجد من يقدم يد المعونة من الأسباط ولا حتى من رجال سبطه منسى سواء في شرق الأردن أو غربه، ووجد أنه سيحارب فقط برجال جلعاد، لذلك وجد نفسه في وضع حرج، لذلك سنجد أن نطقه بنذره جاء في (قض 30:11)، قبل ملاقاة بني عمون مباشرة، وليس مثلًا قبل تحركه من بيته ومسقط رأسه، وبتعبير آخر هو وجد نفسه مضطرًا -بالطبع من وجهة نظره وظروفه التي رأى نفسه واقعًا فيها- أن ينطق بنذره الصعب هذا.

وقبل أن ننتقل لنقطة أخرى نود القول أن كلمة "إسرائيل" أو بنو إسرائيل" في كثير من أعداد هذا السفر لا تعني شمولية لكل الأرض والأسباط، بل تعني أن أي جزء من الأرض أو الشعب يمثل بني إسرائيل، فاجتماع بني إسرائيل في المصفاة (قض 17:10)، قد رأينا أنه قاصر فقط على رجال جلعاد، وفي عبارة "كان بعد أيام أن بني عمون حاربوا إسرائيل" (قض 4:11)، الذين حاربوا هنا هم رجال جلعاد فقط، وبكاء بنات إسرائيل ابنة يفتاح على الأقل بدأ مكانيًا ومحدودًا، وممارسة يفتاح لمهام القضاء كانت قاصرة على منطقة جلعاد وإلا لكان تدخل شيوخ أسباط أرض كنعان وأثنوا رجال أفرايم عن تصرفهم الأهوج..

وهناك نقطة أخرى وهي أننا أحيانًا نضع تصرف جدعون وكلامه مع رجال أفرايم لنلوم تصرف يفتاح مع معاصريه من رجال أفرايم ونتهمه بالقسوة، ولكن هناك عدة اعتبارات علينا أن نضعها في الحسبان ومنها أن رجال أفرايم جاءوا هذه المرة ويفتاح يتجرع كأس مرارة فقدانه لبنته وربما كان يعتبر أن رجال إسرائيل يحملون وزر دمها لأنه لو كان قد تقدم لمساعدته عدد وفير منهم ربما ما كان نطق بمثل هذا النذر الخطير. وهكذا بدلًا من أن يتركوه وشأنه إذ بهم لا يكتفون بمخاصمته بشدة كما فعلوا إخوتهم مع جدعون (قض 1:8)، إذا بهم هنا يتحرشون به ويهددون بحرقه هو وكل من معه في بيته. وبالطبع كان من حوله من رجال جلعاد ملمين بكل هذه الأحداث والملابسات، لذلك وجدوا أنه لم يكن أمامهم إلا أن يقفوا مع قائدهم ضد وقاحة هؤلاء..

 

وهنا نتوقف لنسجل شرح هذه الأعداد التي أمامنا:

1- السخط الذي لا مبرر له لرجال أفرايم ضد يفتاح، لأنه لم يدعهم لمساعدته في حربه ضد العمونيين لكيما يشاركوه في انتصاراته وغنائمه (ع1). كانت الكبرياء أصل هذا الشجار. يعتقد المتكبرون أن كل الأمجاد التي لا تأتي عن طريقهم تفقد قيمتها، إذ من الذي يستطيع أن يقف أمام الحسود؟

كان غضب الإفرايميين من يفتاح:

أ- لا مبرر له وغير عادل: لماذا لم تدعنا للذهاب معك" إذ هم بهذا كمن يتلككون للشجار معه بأي ذريعة كانت.

ب- قاسي ومعيب وفظيع. إنهم اجتمعوا بطريقة هائجة وعبروا الأردن حتى وصلوا إلى المصفاة في جلعاد حيث يسكن يفتاح ولم يتوقف غضبهم عند حد معين، بل هددوه قائلين "نحرق بيتك عليك بنار" (ع1).

إن الاستياءات التي ليس لها ما يبررها، كثيرًا ما تتميز بالهياج الشديد. إن الناس الهمجيين كثيرًا ما يتلذذون بإضافة مزيد من الضيق على المنكوبين والمبتلين.

2- دفاع يفتاح الشديد عن نفسه: لم يهم يفتاح إن كان سيهدأوا أم لا لأن ظروفه الخاصة بموت ابنته جعلت مزاجه الخاص ليس على ما يرام، لكن كان كل همّه:

أ- أن يبرر نفسه (ع2، 3). فهو أوضح لهم أنه لا يحق لهم أن يتشاجروا معه، لأن:

• الذي دفعه لدخول هذه الحرب لم يكن السعي وراء المجد، بل اضطر لدخولها للدفاع عن بلاده.

• أنه دعا رجال أفرايم للمجيء للمعاونة لكنهم تقاعسوا عن أداء هذه الخدمة، بل هو لديه مبرر أكثر لمخاصمتهم لأنهم تخلوا عن الصالح العام لإسرائيل في وقت الاحتياج. إنه ليس بجديد أن من هم أنفسهم أكثر المذنبين، يكونوا الأكثر صياحًا في ملامة الأبرياء.

• أن مغامرة حرب التحرير كانت في منتهى الخطورة، والمجد الذي حسدوه عليه تم شراءه بثمن غالي جدًا، وهم ليسوا في حاجة لأن يحسدوه عليه، فقلة منهم هم الذين سيخاطرون ويجازفون لأجل مثل هذه المغامرة. فعبارة "وضعت نفسي في يدي" تعني المخاطرة والمجازفة وبأنه كان يضع في نفسه أنه ربما يموت في تلك المعركة ومع هذا جازف وتقدم لساحة الحرب. وغير هذا فإنه فقد ابنته الوحيدة بسبب هذه المعركة، فكان عليهم من باب أولى أن يتركوه وشأنه.

• هو لم ينسب مجد الانتصار لنفسه، بل نسب كل شيء إلى الله "دفعهم الرب ليدي" (ع3). إن كان الله سُرّ أن يستخدمني لمجده، فلماذا تستاءون من هذا؟

ب- عند هذا الرد الحقاني والذي لم يخطئ فيه يفتاح في شيء، وجد أنه لم يفلح في صرف غضبهم منه، لذلك اعتنى بأن يدافع عن نفسه ويؤّمنها من سخطهم وهياجهم، فلجأ إلى معاقبتهم على وقاحتهم بالسيف..

• لم يكتف رجال أفرايم بالتشاجر مع يفتاح، بل عندما ظهر أن من حوله من الأصدقاء والجيران وقفوا في صفه شتموهم قائلين لهم "أنتم منفلتو أفرايم. جلعاد بين أفرايم ومنسى" (ع4)، وعن هذه العبارة يقول أ. نجيب جرجس ص180، 181ما يلي:

[تمادى رجال أفرايم في وقاحتهم وأخذوا يشتمون الجلعاديين الذين منهم يفتاح وقالوا لهم باحتقار هذه العبارة..

منفلتو أفرايم: معناها الظاهر أن يفتاح والجلعاديين هم جماعة الهاربين من سبط أفرايم، ولكن المعنى المقصود إنهم حثالة رجال أفرايم وفئة من الرعاع المتشردين الأوباش لا مكانة ولا قيمة لهم في المجتمع..

إنها عبارة سب وتحقير وبها يقولون لهم: إنكم يا معشر الجلعاديين تظنون أنفسكم شيئًا وقد نسيتم أصلكم، فما أنتم إلا فئة وضيعة من أحقر الناس في سبط أفرايم، ولما كنتم منبوذين ومرذولين من السبط هربتم وأقمتم في هذه البقعة الواقعة بين أراضي أفرايم ومنسى.

وعبارة "جلعاد بين أفرايم ومنسى" فيها إيجاز بليغ، وتقدير الكلام (أنتم منفلتو أفرايم، وها هي جلعاد أرضكم بين أفرايم ومنسى) أو (الدليل على ذلك أن أرضكم جلعاد التي سكنتموها واقعة بين أفرايم ومنسى). والمعنى الظاهر للعبارة معنى جغرافي يبين أن أرض جلعاد يجاورها كل من أرض أفرايم من الغرب وأرض منسى من الشرق ومن الشمال، بينما المعنى الحقيقي الذي يقصدونه يعبر عن تحقيرهم للجلعاديين كأنهم يقولون لهم (إنكم بهروبكم أقمتم في هذه البقعة المتوسطة بين السبطين، ولم تجرؤوا لا أن تقيموا في أرض منسى ولا في أرض منسى، لأنكم فئة ضائعة منبوذة).. ]

وفي الحقيقة ليس لنا أن نعبر مرور الكرام على ما ورد هنا، لأن فهم ما وراء هذه العبارة قد يفسر لنا سر تقاعس أبناء سبط منسى الذين في الضفة الشرقية لنهر الأردن. لقد سبق أن تكلمت في معرض شرح سفر التكوين ويشوع عن كون وجود أبناء ليوسف غير أفرايم ومنسى احتمال كفة ترجيحه عالي. ومن حيث انتشار روح القبلية والغيرة كانا متفشيين بدرجة عالية القدر بين الأسباط، لذلك ربما كان الجلعاديين هنا يشكلون الأغلبية من أبناء يوسف من غير سبطي أفرايم ومنسى، ولذلك تقاعس أبناء أفرايم غربًا وأبناء منسى شرقًا وغربًا عن تقديم يد المعونة لهم، بينما سنرى عند نهاية السفر كيف وقف رجال بنيامين بشدة وحزم مع رجال جبعة الأشرار، وخاضوا حربًا ضد كل الأسباط لمجرد أن رجال جبعة من سبطهم..

• لقد جعلت هذه الإساءة دم الجلعاديين يغلي وصمموا على الانتقام من الإهانة التي لحقت بهم وبقائدهم، فضربوهم وقتلوهم في ساحة القتال (ع4). وغير هذا فإن الجلعاديين الذين ربما كانوا على معرفة أفضل بمعابر ومخاوض الأردن أكثر من الأفرايميين، أمنّوا بحراس أقوياء هذه المخاوض وأمروهم أن يقتلوا كل أفرايمي يتصادف اجتيازه للنهر. وقد تم هذا

أولًا: بوحشية. فلم تكن هناك حاجة لقتل كل من هرب. فهل سيلتهم ويأكل السيف إلى الأبد؟

ثانيًا: بمنتهى المكر في اكتشاف أمرهم. ويبدو أن الأفرايميين مع أنهم يتكلمون نفس اللغة العبرية كبقية الإسرائيليين، لكن كانت لهم لهجة تميزهم عن غيرهم، فقد تعودوا استبدال حرف شين بحرف سين، وكانت لهم لهجتهم المميزة على غرار ما قيل لبطرس الرسول "أنت أيضًا جليلي فإن لغتك تظهرك" (مت73:26). وهنا على هذه المعابر لو شك الحراس في أحد على أنه أفرايمي، فإن أنكر يقولون له قل "شبولت" وتعني نهر، فهو إما لا يستطيع أن ينطقها لأنه لم يتعودها أو يقولها سبولت، وبمجرد أن يتحققوا من أنه أفرايمي يقتلونه في الحال. فسقط في ذلك الوقت من أفرايم 42 ألفًا (ع6).

وهنا نتوقف لنسجل ما كتبه أ. نجيب جرجس ص182 وهو على النحو التالي:

[يستبعد البعض أن يكون هذا العدد الضخم قد قُتل من سبط أفرايم لأن عدد رجال الحرب في سبط أفرايم في الإحصائية التي أجراها موسى في عربات موآب كان اثنين وثلاثين ألف وخمسمائة فقط، ولذلك فهناك رأيان في هذا الأمر:

أ- الأول أن الأرقام بالعبرية تُكتب بالكلمات والنص العبري للرقم هو (أربعيم وشتيم ألف) وقد تُرجمت إلى 42ألف، ولعل ترجمتها أيضًا 2040.

ب- الأرجح أن المقتولين كانوا 42 ألف، والسبب في كثرتهم أن سبط أفرايم ربما تكاثر كثيرًا في المدة بين موسى ويفتاح وهي مدة تزيد عن 250 سنة، فضلًا عن ذلك فربما تهور الإفرايميون وخرجوا ليحتجوا على يفتاح ليس برجالهم الذين من سن العشرين فقط، بل بصبيانهم ورجالهم المسنين أيضًا الذين تعدوا سن التجنيد. ]

ج- إن عقوبة هؤلاء الإفرايميين المتكبرين والحادي الطباع تتجاوب في أوجه عديدة مع خطيتهم:

• كانوا هم فخورين بمجد سبطهم، لكن سرعان ما صاروا يخشون أو يخزون من انتسابهم لسبطهم: أ أنت أفرايمي؟ لا، فهو يفضل أن ينتسب الآن لأي سبط آخر غير سبطه.

• لقد عبروا الأردن في هياج ليحرقوا بيت يفتاح بالنار، لكنهم الآن يرجعون إلى الأردن متسللين وتم قتلهم إذ لم يرجعوا أبدًا إلى بيوتهم.

• إنهم عيّروا الجلعاديين بتعاستهم، لكون أرضهم تقع على هذا البعد، والآن هم عانوا من عجز خاص ببلادهم وهو عدم قدرتهم على نطق "شبولت".

• إنهم ظلمًا دعوا الجلعاديين منبوذين ولاجئين، والآن هم أنفسهم صاروا فعلًا منبوذين. الذي يدحرج حجر التعيير على غيره ظلمًا، عليه أن يتوقع أنه عن عدل سيرتد عليه هو نفسه.

3- نهاية فترة تسلط يفتاح كقاضي. هو قضى لإسرائيل لمدة ست سنوات فقط ومات (ع7). وكما سبق القول ليس من المستبعد أن موت ابنته الوحيدة المبكر أغرقه في الحزن، لذلك لم يعد شيء يبهجه فيما بعد فقصرت أيامًا ومضى إلى قبره نائحًا عليها.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

[8- وَقَضَى بَعْدَهُ لإِسْرَائِيلَ إِبْصَانُ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ. 9- وَكَانَ لَهُ ثَلاَثُونَ ابْنًا وَثَلاَثُونَ ابْنَةً أَرْسَلَهُنَّ إِلَى الْخَارِجِ وَأَتَى مِنَ الْخَارِجِ بِثَلاَثِينَ ابْنَةً لِبَنِيهِ. وَقَضَى لإِسْرَائِيلَ سَبْعَ سِنِينٍَ. 10- وَمَاتَ إِبْصَانُ وَدُفِنَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ.

 11- وَقَضَى بَعْدَهُ لإِسْرَائِيلَ إِيلُونُ الّزَبُولُونِيُّ. قَضَى لإِسْرَائِيلَ عَشَرَ سِنِينٍ. 12- وَمَاتَ إِيلُونُ الّزَبُولُونِيُّ وَدُفِنَ فِي أَيَّلُونَ فِي أَرْضِ زَبُولُونَ.

 13- وَقَضَى بَعْدَهُ لإِسْرَائِيلَ عَبْدُونُ بْنُ هِلِّيلَ الْفَرْعَتُونِيُّ. 14- وَكَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ ابْنا ًوَثَلاَثُونَ حَفِيدًا يَرْكَبُونَ عَلَى سَبْعِينَ جَحْشًا. قَضَى لإِسْرَائِيلَ ثَمَانِيَ سِنِينٍ. 15- وَمَاتَ عَبْدُونُ بْنُ هِلِّيلَ الْفَرْعَتُونِيُّ وَدُفِنَ فِي فَرْعَتُونَ فِي أَرْضِ أَفْرَايِمَ فِي جَبَلِ الْعَمَالِقَةِ. (قض 8:12-15). ]

 

لدينا هنا سرد موجز لثلاثة آخرين من القضاة الذين قضوا لإسرائيل لفترات قصيرة، فأولهم قضى لمدة سبع سنوات، والثاني لعشر سنوات والثالث لمدة ثمان سنوات.

1- إبصان من بيت لحم. وبخصوص بيت لحكم جاء في السنن القويم ما يلي:

[ظن يوسيفوس أنها بيت لحم يهوذا، ولكن غيره من المفسرين نفوا قوله بدليلين، الأول أن بيت لحم هذه مُيّزت عن بيت لحم يهوذا في هذا السفر عينه (قض 7:17، 9؛ را 2:1). والثاني أن يهوذا كان حينئذ منفردًا عن أسلوب سائر الأسباط العام، فلم يبق إلا بيت لحم زبولون (يش10:19، 15)، وكان هذا السبط قويًا وعظيمًا في تلك الأيام (قض 10:4). ].

وعمومًا هو لم يقض إلا لسبع سنوات، لكن بقيامه بترتيب زواج كل أولاده الثلاثين بنفسه يظهر أنه عاش طويلًا. إن ما هو ملحوظ بالنسبة له هو:

أ- أنه له أولاد كثيرون عددهم ستين.

ب- أنه له أعداد متساوية من كلا الجنسين، ثلاثين ابن وثلاثين ابنة، الأمر الذي نادرًا ما يحدث في نفس الأسرة، لكن في العائلة البشرية الكبيرة، الذي في البدء خلق اثنين ذكر وأنثى، يحفظ بعنايته الحكيمة توالد كليهما بنوع من التساوي على قدر ما هو مطلوب لحفظ أجيال البشر على الأرض.

ج- أنه اعتنى بتزويجهم كلهم. يقول اليهود: كل أب مدين لابنه بثلاثة أشياء: بتعليمه قراءة الناموس وتعليمه حرفة وتزويجه.

2- إيلون الزبولوني قام في شمال كنعان بعد إبصان ليدير دفة الشئون العامة ويفصل في القضايا بين الشعب ويصلح الانتهاكات والإساءات الواقعة على المظلومين. واستمر بركة لإسرائيل لمدة عشر سنوات ثم مات (ع11، 12).

3- جاء بعد إيلون عبدون الذي من سبط أفرايم، وبه ابتدأ ذلك السبط الشهير يستعيد سمعته إذ منذ يشوع لم تظهر شخصية عامة وشهيرة. كان عبدون هذا مشهورًا بكثرة نسله (ع14)، إذ كان له أربعون ابنًا وثلاثين حفيدًا عاش حتى رآهم كلهم وقد كبروا وكانوا جميعًا يركبون على سبعين جحشًا دليل الغنى والعظمة. ما من شك أنه أمر يفرح المرء أن يرى أحفاده وقد كبروا ولهم هذا الغنى والعظمة. لكن هناك من يعتقد أنه لم ير سلام يعم إسرائيل، لأنه مع هذا الوقت ابتدأ الفلسطينيون يهجمون على بني إسرائيل ويضايقونهم. وقد مات عبدون وتم دفنه في أرض أفرايم في جبل العمالقة وعن جبل العمالقة يقول التفسير الحديث ما يلي:

[الإشارة إلى جبل العمالقة أو المنطقة الجبلية الخاصة بعماليق وردت في (ع15) وقد ضمن البعض أن هذه الإشارة مع ما جاء في (قض 14:5) تساند الرأي القائل إنه كان هناك جيب صغير لعماليق في أرض أفرايم وهو احتمال لا يصح استبعاده بسبب العداوة المتأصلة التي كانت قائمة بين الإسرائيليين وعماليق عمومًا. ويمكن ربط هذه الإشارة بواحدة أو أخرى من الغارات التي قامت بها مجموعة من الأعداء داخل إسرائيل ومن ضمنهم عماليق (قض 13:3؛ 3:6، 33؛ 12:7؛12:10)، وجدير بالملاحظة أن عماليق بسبب هجومهم الغادر في الجزء الأول من التيهان في البرية قد وقعوا تحت الدينونة وكان يجب أن يبادوا (خر8:17-13؛ تث17:25-19). ]

وتعقيبًا على هذا الكلام يمكن القول أنه من المرجح أن هناك جبل في أرض أفرايم حمل اسم جبل العمالقة نسبة إلى من سكنوا فيه من العمالقة، قبل غزو أرض كنعان.

وهنا نختم بالقول أنه لأمر غريب جدًا أنه في تاريخ كل هؤلاء القضاة، والذين بعضًا منهم ذُكرت أعمالهم بتفصيل لا يوجد ذكر سوى مرة واحدة عن رئيس الكهنة فينحاس والذي عاصر الفترة الأولى من فترة حكم القضاة، وبالتحديد عثنيئيل، ولم يُذكر غيره من رؤساء الكهنة واللاويين ليظهر في إبداء مشورة أو القيام بدور في أيًا من الأمور العامة من فينحاس إلى عالي وهي فترة تزيد عن250 سنة، ولم يُحْفَظ من تلك الفترة سوى أسماء رؤساء الكهنة المذكورين في (1أخ4:6-7؛ عز3:7-5).

كيف لهذا التعتيم الغريب لذلك الكهنوت لمدة طويلة جدًا والذي هو الآن في بدء أيامه، يمكن أن يتوافق مع البهاء العظيم الذي صاحب ظهوره ومع الشكل الذي تسجل لدى تأسيسه في شريعة موسى؟ بالتأكيد هو يشير إلى أن القصد الأساسي من تأسيسه هو أن يكون رمز، وأن المنافع العظيمة التي يظهر أنها موعودة بواسطته كان ينبغي التطلع إليها بالأساس في النموذج الأصلي، الكهنوت الأبدي الذي لربنا يسوع المسيح، والذي لدى مقارنة مجده الأسمى لا يكون للكهنوت اللاوي أي مجد (انظر 2كو10:3).

وهنا نختم بفوائد روحية وردت عن هذا الإصحاح في السنن القويم وهي على النحو التالي:

[1- كل من يرتقي ويشتهر عرضة للحسد والمقاومة.

2- كثيرون ينتقدون عملًا وهم لا يقدرون أن يعلموا أحسن منه.

3- المتكبرون لا يطلبون نجاح العمل بل نجاح أنفسهم.

4- من يأخذ بالسيف، فبالسيف يهلك.

5- إن عدم الشكر من أردأ الخطايا وأعظمها.

6- العظيم الحقيقي لا ينسب النجاح لنفسه بل للرب.

7- وجوب الاهتمام بالأمور الزهيدة. فإن حياة الإنسان تتوقف أحيانًا على لفظ حرف واحد. وكثيرًا ما تظهر سجايا الإنسان بواسطة كلمة واحدة. ومن يريد أن يُصلح أموره الزهيدة فعليه أن يصلح قلبه الذي منه مخارج الحياة.

8- الاهتمام الزائد بأمور زهيدة. كالفريسيين الذين عشروا النعناع والشبث والكمون، وتركوا أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان. يجب أن لا نقيس الناس بقياس شبولت، أي أن نقبل(21) من يعتقد اعتقادنا ونرفض من لا يعتقده، بل أن نقبل كل من يقرّ بإيمانه بالرب يسوع وإن كان من غير طائفتنا.

9- الذين قضوا لإسرائيل في أيام الراحة لهم ذكر مختصر فقط، فاشتهروا بما لديهم من أولاد وما يركبونه من دواب. وأما الأفاضل المذكورون في (عب11) فهم الذين قضوا لإسرائيل في أيام الضيق والحروب. ]

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(21) علينا أن نتعامل بمحبة مع من هم من خارج وبالأولى من يشاركوننا نفس الإيمان بالرب يسوع فنقدم لهم كل عون ممكن ونزيد من مساحة التجاوب فيما هو مشترك معهم من فضائل وعقائد..

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات القضاة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/fr-angelos-st-makarios/judges/chapter-12.html

تقصير الرابط:
tak.la/6c3yxp7